بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هشتاد و سوم
قال قدس سره في الفرائد:
«ثم ان اختصاص ما عدا الأخبار العامة بالقول المختار واضح .
وأما الأخبار العامة ، فالمعروف بين المتأخرين الاستدلال بها على حجية الاستصحاب في جميع الموارد .
وفيه تأمل ، قد فتح بابه المحقق الخوانساري في شرح الدروس .
توضيحه :
أن حقيقة النقض هو رفع الهيئة الاتصالية ، كما في نقض الحبل .
والأقرب إليه - على تقدير مجازيته - هو رفع الأمر الثابت .
وقد يطلق على مطلق رفع اليد عن الشئ - ولو لعدم المقتضي له - بعد أن كان آخذا به ، فالمراد من " النقض " عدم الاستمرار عليه والبناء على عدمه بعد وجوده .
إذا عرفت هذا ، فنقول :
إن الأمر يدور :
بين أن يراد ب " النقض " مطلق ترك العمل وترتيب الأثر – وهو المعنى الثالث - ويبقى المنقوض عاما لكل يقين .
وبين أن يراد من النقض ظاهره - وهو المعنى الثاني – فيختص متعلقه بما من شأنه الاستمرار والاتصال ، المختص بالموارد التي يوجد فيها هذا المعنى .
ولا يخفى رجحان هذا على الأول ، لأن الفعل الخاص يصير مخصصا لمتعلقه العام ، كما في قول القائل : لا تضرب أحدا ، فإن الضرب قرينة على اختصاص العام بالأحياء ، ولا يكون عمومه للأموات قرينة على إرادة مطلق الضرب عليه كسائر الجمادات .
ثم لا يتوهم :
الاحتياج حينئذ إلى تصرف في اليقين بإرادة المتيقن منه ، لأن التصرف لازم على كل حال ، فإن النقض الاختياري القابل لورود النهي عليه لا يتعلق بنفس اليقين على كل تقدير ، بل المراد : نقض ما كان على يقين منه - وهو الطهارة السابقة - أو أحكام اليقين .
والمراد ب " أحكام اليقين " ليس أحكام نفس وصف اليقين ، إذ لو فرضنا حكما شرعيا محمولا على نفس صفة اليقين ارتفع بالشك قطعا ، كمن نذر فعلا في مدة اليقين بحياة زيد .
بل المراد : أحكام المتيقن المثبتة له من جهة اليقين ، وهذه الأحكام كنفس المتيقن أيضا لها استمرار شأني لا يرتفع إلا بالرافع ، فإن جواز الدخول في الصلاة بالطهارة أمر مستمر إلى أن يحدث ناقضها .
وكيف كان :
فالمراد : إما نقض المتيقن ، والمراد به رفع اليد عن مقتضاه ، وإما نقض أحكام اليقين - أي الثابتة للمتيقن من جهة اليقين به - والمراد حينئذ رفع اليد عنها .
ويمكن أن يستفاد من بعض الأمارات إرادة المعنى الثالث ، مثل : قوله ( عليه السلام ) : " بل ينقض الشك باليقين " .
وقوله ( عليه السلام ) : " ولا يعتد بالشك في حال من الحالات " .
وقوله ( عليه السلام ) : " اليقين لا يدخله الشك ، صم للرؤية وأفطر للرؤية " ، فإن مورده استصحاب بقاء رمضان ، والشك فيه ليس شكا في الرافع ، كما لا يخفى .
وقوله ( عليه السلام ) في رواية الأربعمائة : " من كان على يقين فشك فليمض على يقينه ، فإن اليقين لا يدفع بالشك " .
وقوله : " إذا شككت فابن على اليقين " .
فإن المستفاد من هذه وأمثالها :
أن المراد بعدم النقض عدم الاعتناء بالاحتمال المخالف لليقين السابق ، نظير قوله ( عليه السلام ) : " إذا خرجت من شئ ودخلت في غيره فشكك ليس بشئ " .
هذا ، ولكن الإنصاف :
أن شيئا من ذلك لا يصلح لصرف لفظ " النقض " عن ظاهره ، لأن قوله : " بل ينقض الشك باليقين " معناه رفع الشك ، لأن الشك مما إذا حصل لا يرتفع إلا برافع .
وأما قوله ( عليه السلام ) : " من كان على يقين فشك " ، فقد عرفت أنه كقوله : " إذا شككت فابن على اليقين " غير ظاهر في الاستصحاب ، مع إمكان أن يجعل قوله ( عليه السلام ) : " فإن اليقين لا ينقض بالشك ، أو لا يدفع به " قرينة على اختصاص صدر الرواية بموارد النقض ، مع أن الظاهر من المضي : الجري على مقتضى الداعي السابق وعدم التوقف إلا لصارف ، نظير قوله ( عليه السلام ) : " إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك " ونحوه ، فهو أيضا مختص بما ذكرنا .
وأما قوله ( عليه السلام ) : " اليقين لا يدخله الشك " فتفرع الإفطار للرؤية عليه من جهة استصحاب الاشتغال بصوم رمضان إلى أن يحصل الرافع .
وبالجملة :
فالمتأمل المنصف يجد أن هذه الأخبار لا تدل على أزيد من اعتبار اليقين السابق عند الشك في الارتفاع برافع .)[1]
وأفاد المحقق الخوانساري قدس سره في مشارق الشموس:
«الظاهر حجية الاستصحاب بمعني آخر وهو أن يكون دليل شرعي على أن الحكم الفلاني بعد تحققه ثابت إلى حدوث حال كذا أو وقت كذا مثلا معين في الواقع بلا اشتراطه بشئ أصلا فحينئذ إذا حصل ذلك الحكم فيلزم الحكم باستمراره إلى أن يعلم وجود ما جعل مزيلا له .... إلى أن قال: الظاهر أن المراد من عدم نقض اليقين بالشك أنه عند التعارض لا ينقض به والمراد بالتعارض أن يكون شئ يوجب اليقين لولا الشك وفيما ذكروه ليس كذلك... )[2]
وافاد صاحب الفصول:
«واعلم ان المستفاد مما يعتمد عليه من الاخبار...
حجية الاستصحاب في الاشياء التي مقتضاها البقاء والاستمرار لولا عروض المانع بقرينة لفظ النقض فإن المفهوم منه اقتضاء الشئ المتيقن للبقاء على تقدير عدم طرو الناقض المشكوك فيه .
إذ عدم البناء على بقاء ما علم ثبوته في وقت لا يعد نقضا له إذا لم يكن في نفسه مقتضيا للبقاء ... )[3]
وممن وافق الشيخ في اختصاص ادلة الاستصحاب بموارد الشك في الرافع المحقق النائيني قدس سره.
[1] فرائد الأصول ج3 ص78 ـ 82.