بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه صــد و هــشت
وتوضیح ما افاده:
ان الاحتیاط الذی موضوعه احتمال الواقع ویترتب علیه احراز الواقع علی تقدیر ثبوته عملاً، حسن مطلقا ولیس عن حسنه استثناء الا اذا استلزم اختلال النظام، فلا یعتبر فی حسنه شيء الا عدم کونه مستلزماً لذلك.
وظاهر ما افاده (قدس سره) انه لو احتمل الحکم فی الواقع فلا کلام فی حسن الاتیان بالمحتمل بلا فرق بین ان یکون احتماله قویاً او ضعیفاً، وبلا فرق بین الاتیان بالمحتمل قبل الفحص او بعد الفحص، کما لا فرق فی ذلك بین کونه حقیقاً کالأخذ بأحد القولین، او اضافیاً کالأخذ بأحد الاقوال فی المسئلۀ الفرعیۀ. وبلا فرق بین قیام حجۀ غیر علمیۀ علی خلافه ام لا، بل ولو قامت حجۀ علمیۀ علی خلافه مثل قیام الخبر الصحیح علی عدم وجوب شئ، فإنه لا یمنع من الاحتیاط فیه لعموم ادلۀ رجحان الاحتیاط وحسنه، ولأن قیام الحجۀ علی عدم وجوب شيء لا ینفی احتمال وجوبه فی الواقع. فکلما احتمل الواقع بحسن الاحتیاط، وقرر الشیخ (قدس سره) موضوع الاحتیاط «احراز الواقع المشکوك فیه» قال (قدس سره) فی الرسائل:
« فالظاهر : أنه لا يعتبر في العمل به أمر زائد على تحقق موضوعه ، ويكفي في موضوعه إحراز الواقع المشكوك فيه به ولو كان على خلافه دليل اجتهادي بالنسبة إليه ، فإن قيام الخبر الصحيح على عدم وجوب شئ لا يمنع من الاحتياط فيه ، لعموم أدلة رجحان الاحتياط.
غاية الأمر: عدم وجوب الاحتياط . وهذا مما لا خلاف فيه ولا إشكال.»
ثم ان الشیخ (قدس سره) بعد بیان ذلك افاد:
« إنما الكلام يقع في بعض الموارد ، من جهة تحقق موضوع الاحتياط وإحراز الواقع.»[1]
وذکر موارد وتعرض صاحب الکفایة لبعضها.
منها:
انه لا تفاوت فی حسن الاحتیاط بین المعاملات والعبادات مطلقا حتی لو کان الاحتیاط فی مثل العبادات موجباً لتکرار الفعل.
وفیما افاده (قدس سره) تعرض بالنسبۀ الی القائلین بعدم حسن الاحتیاط اذا کان مستلزماً لتکرار العبادۀ کصاحب الحدائق (قدس سره).
ومن الوجوه التی استدلوا بها لعدم حسن الاحتیاط المستلزم لتکرار العبادة، کون التکرار عبثاً ولعباً بأمر المولی، وذلك:
لأن التکرار لا یترتب علیه غرض عقلائی فیکون عبثاً ولعباً بأمر المولی، ومعه لا یحصل ما هو قوام العبادۀ من قصد القربۀ:
وأجاب عنه (قدس سره) بوجهین:
الاول:
ان التکرار لا یکون عبثاً دائماً، ولازماً مساویاً للعبثیة، بل هو لازم اعم، اذ ربما یکون فی التکرار غرض عقلائی مثل الصلاۀ الی اربع جهات مع اشتباه القبلۀ وعدم تمکنه من تحصیل العلم التفصیلی بجهتها. وجهده فی تحصیل الواقع فیه لیس عبثاً ولعباً بأمر المولی، بل کان فی جهۀ استیفاء غرضه وهو داع عقلائی.
الثانی:
انه یعتبر فی العبادة اتیانها بقصد امتثال امر المولی، وإذا اتی بالعبادة بداعی امره ولیس له ای داعی اخری فی الأتیان به انما تحقق العبادة، وحینئذ لا ینافی قصده لامتثال أمر المولی تکرار الفعل وإن کان لاعباً فیه، لأن اللعب هنا انما یکون فی کیفیۀ الامتثال لا فی نفس الامتثال، وهذه الکیفیۀ لا توجب الاخلال فیما یکون داعیه فی التکرار المستلزم للعب امتثال امر المولی واستیفاء غرضه.
ولعل نظره الشریف فی هذا الوجه:
ان من یکرر الفعل العبادی بقصد امتثال امر المولی، کان تمام داعیه احراز الوفاء بالغرض المقصود من الأمر المتعلق به، ومعه فیعد التکرار امتثالاً واطاعۀ وإن ربما یصدق علیه اللعب بأمر المولی خارجاً، وعلیه فکونه لعباً خارجاً ولو فی نظر من یراه لا ینافی کون داعیه القربۀ، وإن قصد الامتثال هو تمام الداعی له فی التکرار، وإن ما یستلزم الاخلال بقصد الامتثال، اتیانه بالتکرار بداعی اللعب، بأن یکون له فی التکرار داعی آخر فی عرض داعی الامتثال، او کان تمام داعیه اللعب، ولعله اشار بذلك فی قوله فافهم.
ثم ان صاحب الکفایة (قدس سره) لم یتعرض لما اورد علی التکرار فی العبادۀ فی کلمات بعض الاصحاب، بعدم تمکن من یکرر العبادۀ من نیۀ الوجه، وذلك لأنه (قدس سره) لا یری اعتبار الوجه فی العبادۀ.
قال اشیخ (قدس سره):
« إنما الكلام يقع في بعض الموارد ، من جهة تحقق موضوع الاحتياط وإحراز الواقع ، كما في العبادات المتوقفة صحتها على نية الوجه ، فإن المشهور أن الاحتياط فيها غير متحقق إلا بعد فحص المجتهد عن الطرق الشرعية المثبتة لوجه الفعل ، وعدم عثوره على طريق منها ، لأن نية الوجه حينئذ ساقطة قطعا.»[2]
وأفاد بعد سطور:
«وأما الثاني: وهو ما يتوقف الاحتياط فيه على تكرار العبادة ، فقد يقوى في النظر - أيضا - : جواز ترك الطريقين فيه إلى الاحتياط بتكرار العبادة ، بناء على عدم اعتبار نية الوجه. ـ ومراده من ترک الطریقین، ترک طریقی الاجتهاد و ـ
لكن الإنصاف :
عدم العلم بكفاية هذا النحو من الإطاعة الإجمالية ، وقوة احتمال اعتبار الإطاعة التفصيلية في العبادة ، بأن يعلم المكلف حين الاشتغال بما يجب عليه ، أنه هو الواجب عليه .
ولذا يعد تكرار العبادة - لإحراز الواقع - مع التمكن من العلم التفصيلي به أجنبيا عن سيرة المتشرعة ، بل من أتى بصلوات غير محصورة لإحراز شروط صلاة واحدة - بأن صلى في موضع تردد فيه القبلة بين أربع جهات ، في خمسة أثواب أحدها طاهر ، ساجدا على خمسة أشياء أحدها ما يصح السجود عليه ، مائة صلاة - مع التمكن من صلاة واحدة يعلم فيها تفصيلا اجتماع الشروط الثلاثة ، يعد في الشرع والعرف لاعبا بأمر المولى .
والفرق بين الصلوات الكثيرة وصلاتين لا يرجع إلى محصل .
نعم ، لو كان ممن لا يتمكن من العلم التفصيلي ، كان ذلك منه محمودا مشكورا .»[3]
[1] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص405.
[2] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص405.
[3] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص409.