بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نود
وافاد المحقق العراقی (قدس سره) فی حاشیته فی ذیل قول صاحب العروه: وجهان، بل قولان:
« والأولى أن يقال إن الأخبار المزبورة في مقام كيفية الاجتزاء بحجه عما في ذمته بلا نظر إلى كون اشتغال ذمته بنحو اللزوم أو الاستحباب وحينئذ فقضية عدم استقرار وجوبه إذا كان اشتغال ذمته بالحج ندبيا فلا يقتضي ذلك الاجتزاء به فريضة ولازمه كون الأمر بقضائه أيضا تبع هذه القضية فمع عدم استقرار الحج لا يجدي مثل هذا الأمر في وجوب قضائه كما هو ظاهر والله العالم .»[1]
وافاد السید الفیروز آبادی فی حاشیته علی قول الماتن فی نفس المقام:
« حمل الأمر على القدر المشترك صرف للظاهر من غير صارف فإن ما ذكره في صدر الكلام من قوله : لا وجه لوجوب القضاء ، استحسان عقلي بل استبعاد لغير تعبد فإن قضاء العبادة من حيث المورد على وجوه:
قد لا يجب وثبت القضاء كما في صوم الحائض.
وقد يجب القضاء مع عدم وجوبه كصوم المريض إذ برء من مرضه ثم مات.
وقد يجب القضاء مع عدم الوجوب وعدم التمكن من قضائه كصوم المسافر خصوصا في السفر الواجب إن مات بعد رمضان في أول شوال مثلا فيقضى عنه كما عليه جمع بمقتضى النص.
وقد لا يجب القضاء مع عدم الوجوب وعدم التمكن من القضاء كصوم المريض إن لم يبرأ ومات.
وكذا صوم الحائض إن ماتت المرأة في أول شوال.
فالمناط ظهور الدليل، ويستكشف الفقيه الماهر عن كلامهم:
أن القضاء ليس منحصرا في مورد فوت الواجب بعد وجوبه، بل شرعية القضاء قد يكون في مورد فوت مصلحة الوجوب كما ذكرنا بعض أمثلته.»[2]
ويمكن أن يقال:
إنَّ في صحيحة ضريس عن ابي جعفر (ع): إِنْ مَاتَ فِي الْحَرَمِ فَقَدْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَ إِنْ كَانَ مَاتَ دُونَ الْحَرَمِ فَلْيَقْضِ عَنْهُ وَلِيُّهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ.[3]
وفي صحيحة بريد العجلي عن ابي جعفر (ع) :
إِنْ كَانَ صَرُورَةً ثُمَّ مَاتَ فِي الْحَرَمِ فَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَ إِنْ كَانَ مَاتَ وَ هُوَ صَرُورَةٌ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ جُعِلَ جَمَلُهُ وَ زَادُهُ وَ نَفَقَتُهُ وَ مَا مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ
وفي ذيل هذه الصحيحة:
قُلْتُ أَ رَأَيْتَ إِنْ كَانَتِ الْحَجَّةُ تَطَوُّعاً ثُمَّ مَاتَ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ لِمَنْ يَكُونُ جَمَلُهُ وَ نَفَقَتُهُ وَ مَا مَعَهُ قَالَ يَكُونُ جَمِيعُ مَا مَعَهُ وَ مَا تَرَكَ لِلْوَرَثَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيُقْضَى عَنْهُ أَوْ يَكُونَ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ فَيُنْفَذَ ذَلِكَ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ وَ يُجْعَلَ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِهِ.[4]
وفي صحيحة زرارة عن ابي جعفر (ع):
فَإِنْ مَاتَ وَ هُوَ مُحْرِمٌ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى مَكَّةَ قَالَ يُحَجُّ عَنْهُ إِنْ كَانَتْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَ يُعْتَمَرُ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ عَلَيْهِ.[5]
وفي مرسلة المفيد في المقنعة: إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة و إن مات قبل دخوله الحرم لم تسقط عنه الحجة و ليقض عنه وليه.[6]
فان المصرح في هذه الاخبار:
اجزاء ما فعله من الاحرام ودخول الحرم عن حجة الاسلام، وسقوط الحجة عنه ـ في مرسلة المقنعة ـ
وظاهر تعبير الاجزاء، السقوط عن الذمة، وهو فرع تعلق التكليف بالذمه واشتغالها، كما ان ظاهر التعبير بالسقوط، الكفاية فيما ثبت في الذمة لان السقوط فرع الثبوت.
وعليه: فان مفاد هذه الاخبار الكفاية في فرض ثبوت الحج علي ذمة المكلف، وانها في مقام التوسعة في الاجزاء بكفايةالناقص بدل الكامل، والتوسعة بهذا المعنى غير قابلة للتصوير الا في فرض الوجوب، فان مفادها انه كما ان الاتيان بالمأمور به بتمامه يجزي عنه كان الاتيان ببعضه من الاحرام ودخول الحرم يكفي عنه. وهذا غير قابل للتصوير الا في فرض الوجوب.
وبالجملة:
ان التصريح بهذه التعبيرات في كلام الامام عليه السلام انما يكون قرينة علي ان الموضوع في هذه الروايات الحج المستقر علي الذمة. ضرورة انه لا معنى للاجزاء والكفاية الا فراغ الذمة، ولا معنى لفراغها الا تصوير اشتغالها وبالتكليف ولولا الاشتغال به لا معنى للاجزاء وسقوط التكليف عن الذمة.
وكذلك:
ان المصرع فيها قضاء الحج عمن مات دون الحرم.
وكذا جعل زاده وجمله نفقته وما معه في حجة الاسلام اذا مات دون الحرم حتى اذا كان عليه دين، وحتى مع عدم رضاء الورثة بمقتضى قوله (ع) فان فضل من ذلك شئٌ فهو للورثة ان لم يكن عليه دين.
وكذا الاحجاج عنه اذا كان حجة الاسلام ما لم ينتهي الي مكة.
او لزوم القضاء من ناحيةالولي بعدم سقوط الحج عنه اذا مات قبل دخول الحرم.
فان مفاد هذه الاخبار بمقتضى هذه التعابير، كالقضاء وصرف ما معه في القضاء عنه من دون احتياج الى اذن الورثة اورضائهم. وكذا صرفه فيه حتى اذا كان عليه دين وبعبارة اخرى صرف مؤونة الحج القضائي من اصل ماله مقدماً على اداء وفيه:
وجوب الاحجاج عنه والقضاء عنه حجة الاسلام واخراج ما يلزم صرفه في قضاء حجه من اصل ماله مقدماً علي اداء دينه ان كان عليه دين.
وكل هذه العناوين قرينة على ان الموضوع في هذه الاخبار ما وجب عليه المكلف من الحج وما وقع في ذمته من التكليف، وهذا لا يصدق الا على الحج المستقر في الذمة.
وهي الشاهد الثاني على ان المراد من الحج الذي يلزم قضائه هو الحج المستقر وقد مر عن صاحب العروة قرينية تعبير القضاء لكون المراد منه المستقر.
وعليه:
فان مقتضي هذه القرائن سواء كان في مقام اجزاء من احرم ودخل الحرم عن حجة الاسلام، او في مقام لزوم القضاء عنه فيها ان موضوع الاجزاء والقضاءهو الحج المستقر.
وقد ظهر منه:
ان هذه التعابير وهذه القرائن يمنع عن حمل هذه الاخبار على الموضوع العام الشامل لحج المستقر، والحج الواجب بمقتضى حصول الاستطاعة البدوية في سنة اتيان الحج.
فان من حصلت الاستطاعة في سنته واراد الحج، فان مات في الطريق ولم يتمكن من ادراك زمان الحج وحسب التعبير فقدت عنه الاستطاعة الزمانية، فانه لا متحقق الاستطاعة الفعلية بالنسبة اليه ولا يجب عليه الحج، وحسب تعبير الاعلام انما يكشف ذلك عن عدم حصول الاستطاعة له في سنته، كما اذا فقدت الاستطاعة المالية او السربية بالنسبة اليه بعد خروجه الى الحج، بلا فرق في ذلك بين من دخل الحرم او لم يدخل، وانه احرم او لم يحرم.
ضرورة ان الاجزاء هو كفاية الماتي به عن المامور به والمفروض في المقام عدم ثبوت الامر بالحج فلا معنى للاجزاء في مثله.
وكذا ان الامر بالقضاء موضوعه فوت الواجب ومعه عدم ثبوت الوجوب لا موضوع للفوت فلا معنى للامر بالقضاء.
هذا مع ان المصرح عليه في صحيحة بريد بن معاوية اخراج مؤونة القضاءمن اصل ماله، ومع عدم وجوب الحج لا مصحح لاخراجها لتوقف صرف اي مال له في اي امر غير واجب على الاذن من الورثة.
وكذا ان صريحها اخراج مؤونة القضاء مقدماً على الدين الواجب ادائه من اصل التركة، وهو لا مجوز له الا في بعض الواجبات كالحج الواجب وعليه كلمات القوم (قدس الله اسرارهم).
وعليه: فما نقله السيد الحكيم عن النهاية والمبسوط والقواعد واختاره نفسه من اختصاص مورد الروايات المذكورة بالحج المستقر في غاية القوة والمتانة.
هذا وفي القبال التزم جمع باطلاق هذه الاخبار وعدم اختصاصها بمن استقر الحج عليه، وان من لم يستقر الحج عليه اذا مات في عام الاستطاعة بعد الاحرام ودخول الحرم اجزأه عن حجةالاسلام ولا يجب القضاء عنه واما اذا مات قبل ذلك فيقضي عنه.
وقد مر اختياره من السيد الخوئي (قدس سره) قائلاً: ان مقتضى التعبد بظاهر النص اطلاقه لمورد الاستقرار ومورد عدمه.
ويمكن ان يلاحظ فيه:
ان اساس هذه الدعوى كون مفاد هذه الاخبار التعبد بالاجزاء في صورة عدم استقرار الحج اذا احرم ودخل الحرم ومات ووجوب القضاء اذا مات قبل ذلك. وان كان على خلاف القاعدة في باب الاجزاء وفي باب القضاء.
ومستند الالتزام بهذه التعبد في هذه الاخبار دعوى اطلاقها للموردين ولكن تمام الكلام في ثبوت هذا الاطلاق.
وذلك:
لان في الالتزام بالتعبد بمقتضى دعوى الاطلاق محاذير:
الاول
انه هل يمكن الالتزام بخلاف مقتضى القاعدة، في باب الاجزاء، وفي باب القضاء، وكذا في باب الاستطاعة المقتضية للحج، حيث ان الاستطاعة الزمانية كالاستطاعة السربية والاستطاعة المالية شرط لوجوب الحج ومع انتفاء الشرط ينتفي المشروط، والالتزام بعدم انتفاء المشروط في خصوص الاستطاعة الزمانية خلاف للقاعدة.
وكذا التفريق بين هذه الجهات من الاستطاعة.
وايضاً صرف مؤونة الحج عنه في مورد عدم الاستقرار الظاهر في عدم وجوب الحج عن اصل ماله بلا استيذان من الورثة، فهو خلاف للقاعدة، وكذا تقديمه على اداء الدين الواجب عليه.
فهل يمكن رفع اليد عن جميع هذه الاحكام المستفادة من الآية والروايات المتعددة بصرف دعوى التعبد المستند بالاطلاق؟
وثانياً:
ان ثبوت الاطلاق وانعقاده يبتني علي تمامية جريان مقدمات الحكمة ومن جملتها كون المتكلم في مقام البيان.
وفي المقام مع التصريح فيها بالاجزاء والقضاء والسقوط عن الذمة واخراج مؤونة القضاء عن اصل المال وامثاله من القرائن الصريحة في الاخبار كيف يمكن احراز كون المتكلم في مقام بيان الحكم العام للمستقر وغيره؟
ومن الواضح ان مع الشك في كون المتكلم في مقام بيان جهةكان مقتضى القاعدة عدم كونه في مقام البيان لها. وهذه القرائن لو لم يوجب احراز عدم كونه في مقام البيان لهذه الجهة، فلا اقل من انه يوجب الشك لنا في ذلك.
وقد مر في حاشية المحقق العراقي (قدس سره) ما يوهم ذلك. وهو ان هذه الاخبار في مقام بيان كيفية الاجتزاء بحجة عما في ذمته.
فيمكن دعوي انها في مقام البيان بالنسبة الى التعبد بالتوسعة في الاجزاء لمن كان الحج علي ذمته. وقد صرح به في صحيحة زرارة بقوله (ع)انما هو شئ عليه وقد مر في كلام السيد الحكيم: ان النصوص واردة في مقام جعل البدل عن الواجب، فلا تدل على الغاء شرط وجوبه لانها ليست واردة في مقام تشريع وجوبه ليؤخذ باطلاقها. بل هي واردة في مقام تشريع الاجزاء عن حجة الاسلام بعد الفراغ عن ثبوته علي المكلف باجتماع شرائطه.
ان من المقدمات الحكمه عدم اشتمال الكلام للصارف او ما يصلح للصارفية والقرينية، والتصريح بهذه التعابير اي الاجزاء والقضاء وصرف المال له من اصل تركته بغير استيذان من الورثة لو لا كونها صارفة فلا اقل من صلاحيتها للصارفية واحتمالها، ومعه كيف يحرز الاطلاق ومن الواضح ان الشك في انعقاد الاطلاق يساوق عدم انعقاده.
[1] . العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص443 - 444.
[2]. العروۀ الوثقی(المحشي)، السید الیزدی، ج4، ص444.
[3] الكلينى، محمد بن يعقوب بن اسحاق، الكافي، ج4 ؛ ص276
[5] نفس المصدر، ج4 ؛ ص370.
[6] المفيد، محمد بن محمد، المقنعة، ص445