بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و سوم
و قرر السیدنا الاستاذ (قدس سره):
ولا يخفي:
انه ان كان ناظراً:
الي اجراء الاستصحاب فعلاً وبلحاظ حال الصلاة، فأي اثر لكون الشرط هو الاحراز، اذ لا احراز حال العمل بعد فرض كون الاستصحاب بلحاظ حال الفراغ، وأي ربط له بحل اشكال كون الاعادة نقضاً باليقين لا بالشك؟
وإن كان ناظراً:
الي اجراء الاستصحاب بلحاظ حال الصلاة ـ كما هو ظاهر كلامه بل صريحه ـ فما ذكره ليس تفصياً عن الاشكال الذي ذكره من عدم كون الاعادة نقضاً بالشك، بل باليقين، اذ لا موقع لهذا الاشكال علي هذا التقدير ولا موضوع له كما عرفت، وانما الاشكال هو الاستهجان العرفي بعد عدم وضوح الربط بين التعليل والمعلل.
وبالجملة:
فما افاده في الجواب اجنبي عن الاشكال الذي ذكره.
الموضع الثاني:
في ذيل الكلام، فإنه قدس سره بعد ما انتهي من تحقيق المطلب قال:
«ثم انه لا يكاد يصح التعليل لو قيل باقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء كما قيل، ضرورة ان العلة عليه انما هو اقتضاء ذاك الخطاب الظاهري حال الصلاة للإجزاء وعدم اعادتها لا لزوم النقض من الاعادة...»
وأنت خبير ـ بحسب ما تقدم ـ ان التفصي بالالتزام بالإجزاء انما هو في مقام رد الاشكال الوارد علي تقدير ملاحظة جريان الاستصحاب في حال العمل، وقد عرفت انه علي هذا التقدير لا يراد من التعليل كون الاعادة بنفسها نقضاً، بل منافية لحرمة النقض.
وعليه: فلا معني للايراد عليه بأنه مناف لظهور العلة في كون الاعادة بنفسها نقضاً المبني علي اجراء الاستصحاب بلحاظ ما بعد العمل.
وجملة القول:
ان تحرير الاشكال وجوابه لم يؤد في الكفاية بما يليق شأنها ووزنها العلمي.»[1]
وأفاد قدس سره بأن مثله من الخلط بين الجهتين قد وقع في كلمات غيره ايضاً، مما يكشف عن عدم تميز احديهما عن الاخري.
وأفاد بعد نقد كلام العلمين قدس سرهما:
«وكيف كان، فالمهم هو معرفة ما اذا كان للاشكال الذي ذكرناه دافع.
فنقول:
قد عرفت انه ان لوحظ اجراء الاستصحاب بلحاظ ما بعد العمل، فالاشكال من ناحية امتناع تطبيق العلة علي المعلول.
وإن لوحظ:
اجراؤه بلحاظ حال العمل، فالاشكال من ناحية استهجان التعليل عرفاً بعد عدم وضوح الربط بين العلة والمعلول.
والاشكال من الجهة الاولي لا دافع له.»
ونظره قدس سره الي انه ان كان مدلول الصحيحة اجراء الاستصحاب بلحاظ ما بعد العمل وبعد رؤية النجاسة التي كان المفروض كونها هي ما شك في اصابتها قبل العمل، فإنما يلزم الاشكال فيه من ناحية امتناع تطبيق العلة علي المعلول، ضرورة انه لو كان الاستصحاب بلحاظ بعد العمل فليست الاعادة بعد اليقين بالنجاسة بالرؤية، من نقض اليقين بالشك بل نقض له باليقين.
وبعبارة اخري ان الاعادة ليست نقضاً لليقين بالشك حال الصلاة كي تثبت لها الحرمة، بل هي نقض لليقين باليقين بوقوع الصلاة مع النجاسة.
وأنها ـ اي العادة لو ثبتت، فهي من آثار العلم اللاحق بالنجاسة وعمل به وعلي وفقه، لا من آثار الشك السابق حتي يصدق نقض اليقين بالشك.
ثم انه قدس سره بعد نقل بیان الشیخ قدس سره و صاحب الکفایۀ فی دفع الاشکال من ناحیۀ الجهۀ الثانیة من عدم وضوح الربط بین العلة و المعلول.
و کذا ما افاده المحقق النائینی قدس سره من دفع الاشکال بأن المأخوذ فی الصلاۀ هو مانعیة العلم بالنجاسۀ، فیتحقق الربط بین عدم وجوب الاعادۀ و الاستصحاب حال العمل لنفی النجاسۀ تعبداً بواسطۀ استصحاب الطهارۀ فتکون الصلاۀ واجدۀ للشرط الواقعی و الایراد علیه:
بأنه لا یدفع اشکال الاستهجان العرفی، لأنه لیس من الأمور الواضحۀ عرفاً التی تصحح التعلیل عرفاً، بل هو من الأمور الخفیۀ التی لا یخلو عن دقۀ، و یکون الوصول الیها بعد فحص و بحث.
افاد نفسه قدس سره:
و علی ای حال، فلا یمکن التخلص عن هذا الاشکال الا بالالتزام بان المراد من قوله " فرأيت فيه " هو الاحتمال الثاني أعني أنه رأى نجاسة لا يعلم انها هي المظنونة أو حادثة، لا أنه رأى تلك النجاسة المظنونة بحيث يتبدل شكه السابق إلى يقين وعليه فيكون المراد هو اجراء الاستصحاب فعلا بلحاظ الشك الفعلي في النجاسة حال الصلاة، ويكون عدم وجوب الإعادة لكون الإعادة نقضا لليقين بالشك ولا يلزم أي محذور في ذلك.
وهذا الاحتمال:
وان كان خلاف الظاهر، لكن لا بد من الالتزام به بعد أن كان الالتزام بالظاهر يستلزم ورود المحذور المتقدم.
هذا مع:
أنه ليس مخالفا للظاهر، بل لعله هو الظاهر لما قيل من ظهور قوله: " فرأيت فيه " من دون ضمير في كون المرئي نجاسة ما لا يعلم أنها سابقة أو لا حقة، فتكون كالفرض الأخير في الرواية لقوله ( عليه السلام ): " لعله شئ أوقع عليك "، إذ لو كان مراده انه رأى تلك النجاسة المظنونة لقال: " فرأيته فيه " كما قال في السؤال السابق: " وجدته "، فنفس اختلاف التعبير في السؤالين يكشف عن اختلاف المضمون.
ثم انه قدس سره أورد علی هذا التوجیه قبوله:
هذا ولکنه علی هذا التوجیه لا یخلو عن اشکال.
وذلك:
لأنه إذا فرض ان النجاسة المرئية لا يعلم انها كانت حال الصلاة أو لا؟ فمعنى ذلك أنه يشك في طهارة ثوبه حال الصلاة، ومقتضى أصالة الطهارة مع قطع النظر عن الاستصحاب هو وقوع الصلاة مع الطهارة.
ومن الواضح جدا انه لم يكن يتوهم أحد ويحتمل عدم إجزاء صلاته مع الطهارة الظاهرية قبل انكشاف الخلاف، كيف؟ وهو خلاف السيرة القطعية، إذ كثيرا ما تؤدى الصلاة مع احراز الطهارة بالتعبد الشرعي من دون احراز لها واقعا.
وعليه:
فلا مجال للسؤال عن سبب حكمه ( عليه السلام ) بعدم الإعادة ب: " لم ذلك " المشوب بالتعجب والاستغراب، إذ هو أمر لا يتردد فيه أحد، فلا محالة لا مصحح لسؤاله الا ان تكون النجاسة المرئية هي النجاسة المظنونة حال العمل، فيكون من موارد انكشاف الخلاف.
و أجاب عنه قدس سره:
و یمکن ان یدفع هذا الاشکال:
بان السؤال لم یظهر أنه عن سبب عدم الإعادة من ناحية الشك في النجاسة كي يتأتى ما ذكر.
بل يمكن أن يكون السؤال عن تعين ما يكون طريقا لاحراز الطهارة بعد الفراغ عن الاكتفاء بالعمل المأتي به بملاحظة أصالة الطهارة - مثلا -، وانه هل هو أصالة الطهارة التي هي في ذهنه أو غيرها.
وهذا السؤال ليس بعيدا عن مثل زرارة الذي يحاول ان يتفهم القواعد الشرعية بحدودها. فأجابه ( عليه السلام ): ان السبب هو الاستصحاب، وليس الجواب عنه من الواضحات لدى زرارة سابقا، بل القواعد الشرعية تتضح لمثل زرارة بمثل هذه الأسئلة، وأجوبتها.
وبالجملة:
ليس السؤال عن أصل الحكم بالإعادة بحيث كان يجئ في ذهن زرارة احتمال لزوم الإعادة احتمالا معتدا به، بل السؤال عما هو السبب في الحكم بالإعادة بعد مركوزية هذا الحكم في ذهنه، وليس في ذهنه احتمال انه ينبغي ان يعيد الصلاة، فهو يسال عن أن السبب هل هو احراز الطهارة بأصالتها أو بغيرها؟ فالتفت ولا تغفل.
وبهذا البيان يتضح ان هذه الفقرة مما يمكن ان يتمسك بها لاثبات الاستصحاب. [2]
ویمکن ان یقال:
[1] الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج6، ص95ـ 97.
[2]. منتقی الاصول، ج 6، ص 108-109.