بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سي و نه
ويمكن ان يقال:
اما بالنسبة الي الوجه الأول:
فإنه يبتني علي ان الغرض من المأمور به هو العنوان الذي يتعلق به الطلب، وقد مر عدم تمامية الالتزام به.
وذلك:
لما مر ان متعلق الأمر اذا كان مركباً من الاجزاء، فإن متعلق الوجوب فيها نفس الاجزاء فلذا رجحنا اتصافها بالوجوب النفسي دون الغيري، وأما عنوان المركب او الجامع فهو عنوان ينتزع من تعلق الوجوب بها، وليس بعنوانه متعلقاً للطلب والأمر. والغرض او الملاك فيها لا يكون هو المتعلق للطلب حتي بناءً علي ابتناء الاحكام علي المفاسد والمصالح النفس الأمرية لأن الغرض من الأمر هو العلة الغائية أي ما تعلق الوجوب بالمتعلق لأجله، فكيف يمكن ان يكون متعلق الطلب.
هذا.
ان العقل وان يحكم بلزوم التحفظ علي الاغراض المعلومة من المولي الا ان الواجب عقلاً عليه التحفظ علي ما تعلق به التكليف من المولي به، فنحن مأمورون بامتثال التكليف دون الغرض، وإن كان التكليف محققاً للغرض وامتثال التكليف استيفاء له. وذلك:
لأن اغراض الشارع ليست معلومة لدينا اكثر مما قام عليه امره ونهيه اي التكليف، اذ ليس لنا طريق الي الملاكات والاغراض الداعية الي الاحكام غير ما قام عليه الدليل، والدليل يشتمل علي الأوامر والنواهي، ولا يحكم العقل الا بالمعلوم لدي المكلف من التكاليف، ولذلك افاد الشيخ (قدس سره) بأن مورد دوران الأمر بين الاقل والاكثر لا يكون من قبيل الأوامر الواردة من الطبيب، بل من باب الاطاعة والعصيان.
وعليه فإن ما قرره (قدس سره) من عمدة وجوه عدم جريان البرائة العقلية غير تام في نفسه، لأنه يرجع الي الشك في المحصل وقد عرفت ما فيه:
وعليه فإن المكلف لا يكلف الا بالأمر المتعلق بما يردد امره بين الاقل والاكثر، وليس لنا في الزائد ـ اي الاكثر ـ غير الشك، وهو مجري حديث الرفع والحجب وغيرهما من ادلة البرائة، ولا نحتاج في مورده الي احراز حصول الغرض بالاتيان بالاقل حتي يكون مانعاً من جريان الحديث حسب ما افاده في التقاريب الثالثة، وليس المناط في ثبوت العقاب وعدم ثبوته عدم حصول الغرض او حصوله، بل المناط تحقق امتثال الأمر والمفروض عدم العلم بثبوته الا بقدر الاقل، وأما ما زاد عنه فهو موضوع للشك. وهذا المقدار يقتضيه الرفع بمقتضي الحديث من دون حاجة الي ثبوته بالأصل المثبت.
وأما الوجه الثاني:
فإنه بني هذا الوجه علي تقييد الاقل بالانضمام الي الجزء المشكوك، فأفاد بأن جريان البرائة عن تقييد الاقل بالانضمام لا يثبت التكليف بالاقل علي نحو الاطلاق الا علي القول بالاصل المثبت لما اختاره من ان التقابل بين الاطلاق والتقييد من تقابل التضاد، وإذا لم يمكن اثبات الاطلاق بنفي التقييد لا ينحل العلم الاجمالي المقتضي لوجوب الاحتياط، فلا تجري البرائة النقلية كما لا تجري البرائة العقلية ويمكن ان يلاحظ فيه:
بأنه ليس معني الانضمام في المقام التقييد، بل المراد منه ان متعلق التكليف وهو الاجزاء يلزم الاتيان بها في ظرف الانضمام علي نحو القضية الحينية لا علي نحو القضية الشرطية، فليس في ناحية الاقل تقييد ليلزم نفيه بحديث الرفع فيلزم عدم اثبات الاطلاق به لعدم اقتضاء الحديث له الا بالاصل المثبت.
وعليه فإن مع الالتزام بأن التقابل بين الاطلاق والتقييد من قبيل تقابل التضاد لا مانع من جريان حديث الرفع في وجوب الجزء المشكوك، ونتيجة ذلك بقاء وجوب ذات الاقل علي ما كان. والمفروض ثبوت العلم به.
ثم انه (قدس سره) بعد ما افاد بأن العمدة في وجه القول بعدم جريان البرائة العقلية هذين الوجهين، ومن التزم بهما لا يمكنه الالتزام بجريان البرائة الشرعية،
قال:
«نعم، بناءً علي ما ذكرناه من ان انحلال العلم الاجمالي لا يحتاج الي اثبات الاطلاق، بل يكفيه جريان الاصل في احد الطرفين بلا معارض جرت البرائة العقلية والنقلية في المقام بملاك واحد.»
وما افاده هنا مبني علي مختاره (قدس سره) من مسلك الاقتضاء وأن الوجه في تنجيز العلم الاجمالي تعارض الاصول المرخصة في اطرافه. فأفاد بأنه بما ان انحلال العلم الاجمالي لا يحتاج الي اثبات الاطلاق، بل يكفيه جريان الاصل في احد الطرفين وذلك لما افاده بعدم جريان الاصل في الاطلاق باعتبار كونه سعة علي المكلف ولا يكون تضييعاً عليه ليشمله حديث الرفع ونحوه. فيجري الاصل في التقييد بلا معارض، وكما قلنا ان الاصل عدم التقييد بمعني قبح العقاب عليه لعدم البيان، كذلك نقول برفع المؤاخذة علي التقييد لكونه مما لا يعلم فيشمله حديث الرفع.
وقد اورد عليه السيد الاستاذ (قدس سره)
«هذا البيان ممنوع.
وذلك:
لان الاطلاق والتقييد وان كانا طرفي العلم الاجمالي، لكن هذا العلم الاجمالي لا يرتبط بالعلم الاجمالي المدعى تنجزه، إذ العلم الاجمالي المدعى تنجزه هو العلم بتكليف والزام مردد.
ومن الواضح أنه لا موهم لاخذ الاطلاق في متعلق الالزام، بحيث يتحقق الالزام به، لان مرجع الاطلاق إلى عدم دخالة شئ في متعلق التكليف ولا معنى للالزام بذلك.
إذن فالعلم المدعى تنجزه هو العلم الاجمالي بوجوب الأقل أو الأكثر، وهذا وان لازم العلم الاجمالي بالاطلاق أو التقييد لكن لا ربط له بمحل الكلام، فهو نظير العلم الاجمالي بان الزمان فعلا إما ليل أو نهار.
إذن فمجرى البراءة على تقديرها هو وجوب ذات الأقل لا نفس الاطلاق، وهي مما لا مانع من جريانها فيه، فتعارض البراءة في وجوب الأكثر...»[1]
[1] . الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج5، ص214.