بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سي و يك
هذا ثم ان هنا وجهاً اخر لاعتبار القاعدة وهو العمدة وهي السيرة العقلائية وان كان منقولاً في كلمات بعض الاعلام.
وتقريبه:
ان بناء العقلاء في جميع امورهم ومن جملتها معاملاتهم. انه لو تضرروا بواسطة تغرير الغير اياهم، يرجعون فيما تضرروا الي الغار ويأخذون منه ما يتضررون، وهذا امر دائر شايع بينهم من دون نكير لأحد منهم.
وهذا البناء منهم لم يردع عنه الشرع، بل الظاهر امضائه له بمقتضى ما ورد من الاخبار في الموارد المختلفة الراجعة الى لزوم رجوع الغار على من غرّه كما عرفت بعضها. واتفاق الفقهاء على الاستناد بها في مقام الفتوى من دون اعتراض من احدهم على الاستدلال بها، وهو مما يكشف قطعياً عن امضاء الشارع لهذه الطريقة والبناء من العقلاء.
وربما استدل لاعتبار قاعدة الغرور بقاعدة الاتلاف.
بتقريب:
ان الغار انما اتلف المقدار الذي خسر المغرور من جهة انه سبب لوقوع المغرور في هذه الخسارة، والسبب هنا اقوى من المباشر، لان المباشر جاهل مغرور ومخذوع فكان بمنزلة آلة لتلف المقدار المذكور وعليه لكانت قاعدة الغرور من صغريات قاعدة الاتلاف، وكان الدليل عليها دليلاً على ثبوت قاعدة الغرور.
كما ربما تقرر قاعدة لا ضرر دليلاً لهذه القاعدة.
ويمكن ان يقال:
ان ما ينبغي الدقة فيه انه ربما يشترك المورد والموضوع لقاعدة الغرر وقاعدة الضرر وقاعدة الاتلاف لتحقق الموضوع فيه للغرر والاتلاف والضرر.
ولكنها لا يوجب وحدة هذه القواعد، ولا كون الدليل لاحدهما دليلاً على الاخر، كما ان في المقام استدل لضمان الباذل بالقواعد الثلاثة كما عرفت في كلام سيدنا الاستاذ.
لكن الموضوع في كل واحد من هذه القواعد غير الموضوع في الاخر وان كان ربما يشترك بينهما لصدق العناوين الثلاثة.
فان الموضوع في الغرر الخدعة والتدليس، فانه ربما يوجب الضرر او اتلاف المال، والموضوع في الضرر عنوان الاضرار بالغير وان لم يكن عن خدعة وتدليس، وكذا ان الموضوع في الاتلاف، المبادرة الى اتلاف مال الغير، وان كان غالباً يكون مصداقاً للضرر.
وبالجملة ان قاعدة الغرور قاعدة مستقلة، وتمام الكلام في موضوع، فان الموضوع فيه يتقوم بالخدعة والتدليس. وهو كما قيل انما يتحقق اذا كان الغار عالماً بذلك والمغرور جاهلاً به. كما عرفت في كلمات الاعلام، بل عرفت فيها ان مورد علم الغار وجهل المغرور هو القدر المتيقن من مفاد القاعدة خصوصاً مع كون العمدة في مستندها السيرة العقلائية والاجماع وهما دليلان لُبّيان وعند الشك في حد مدلولها يؤخذ بالمتيقن.
توضيح ذلك:
انه تارة كان الغار والمغرور كلا هما عالمين بالعيب والنقص، و خلاف الواقع ففي هذه الصورة لا خدعة ولا تدليس ولا يكون هذا المورد داخلاً في مدلول قاعدة الغرور.
وتارة يكون المغرور عالماً والغار جاهلاً، فانه وان كان هنا خدعة وتدليس الا ان المغرور نفسه اقدم علي قبوله فهو ايضاً خارج عن مورد القاعدة.
وثالثاً: يكون الغار عالماً والمغرور جاهلاً، وهو من المتيقن من قاعدة الغرور.
ورابعاً: كانا جاهلين بالغرر الغار والمغرور، وهذا قد وقع البحث فيه بانه مورد للقاعدة ام لا. ووجه ذلك: انه لو كان الغار جاهلاً بالغرر ولكنه بفعله او قوله اوقع المغرور في الغرر من غير ان يكون عالماً بما فعل فالكلام هنا في انه هل يصدق عليه الغار وانه غرّ المغرور وخدعه كالطبيب الذي يصف الدواء الخاص لشخص باعتقاد انه نافع وبعد استعماله تبين انه غير نافع بل مضر بالنسبة اليه. فهل يصدق هنا التغرير والتدليس عرفاً ام لا؟
ربما يقال:
ان قصد عناوين الافعال غير معتبر في صدق الفعل المذكور، فاذا ضرب احداً يصدق عنوان الضرب وان لم يقصده. والتغرير عبارة عن ترغيب شخص على فعل يترتب عليه الضرر وان كان المرغب جاهلاً بترتب الضرر على الفعل.
نعم، العناوين القصدية كالتعظيم والتوهين لا تحصل بدون قصد العنوان ولكن التغرير ليس من هذه العناوين اي العناوين المتقومة بالقصد.
وعليه فاذا اوقع شخص آخر في ضرر فعل بترغيبه اليه وان لم يكن معتقداً بترتب ضرر عليه، بل كان باعتقاد النفع، فتضرر الاخر منه فانما تشمله القاعدة.
كما يمكن ان يقال:
انه حتى في العناوين القصدية، ربما يتحقق العنوان ولو لم يكن الشخص قاصداً له اذا يرى العرف تحققه، فان في مثل التعظيم والتوهين، اذا لم يكن الشخص قاصداً للتوهين ولكن العرف انما فهم من فعله التوهين، فانه لا شبهة في صدق العنوان.
وفي المقام، اذا وصف الطبيب دواء بانه نافع وكان يعتقد كونه نافعاً ولكن تضرر المريض من استعماله، فانه نرى ان العرف يقولون بانه وقع في الضرر لا غواء الطبيب.
ومما يؤكده ان الروايات الواردة في باب ضمان الطبيب انما تدل على ضمان الغار وان كان جاهلاً، للقطع بان الطبيب جاهل بضرر الدواء الذي وصفه او كتبه لعلاج الشخص.
وقد افاد المحقق البجنوردي في ذيل كلامه في هذا المقام:
« وعلى كل حال الذي يحصل لنا من جميع أدلة المقام من الأخبار ومن الأقوال والوجوه الأخر هو الاطمئنان بعدم الفرق بين أن يكون الغار جاهلا أو يكون عالما. وأما احتمال أن هذه المفاهيم الثلاثة - أعني الغرور، والخدع، والتدليس - وإن كانت الأفعال منها مثل غره أو خدعه أو دلس عليه لا تدل بهيئتها على كون الفاعل عالما، ولكن موادها اخذ فيها العلم والالتفات، دعوى يكذبها الوجدان وملاحظة موارد الاستعمالات. »[1]
ويمكن ان يقال:
ان من يرغب غيره في فعل امر ويشوقه يلزم ان يكون عارفاً بجميع ما يترتب عليه الفعل المذكور بالنسبة الى الشخص، فلو رغبه في تزويج امرأة ووصفها يلزم عرفانه بها بجميع جهاتها، وان الطبيب الذي يصف الدواء ويرغب المريض في اكله يلزم كونه عارفاً بعوارض السوء الموجود فيه، وكونه عارفاً ايضاً بمزاج مريضه، فلو رغبه بذلك من غير عرفان بذلك فانما خدعه كما ان العرف انما يفهم منه الخدعة والتدليس.
نعم، ظاهر بعض الاخبار السابقة الواردة في باب تدليس المرأة واختفاء عيبها، وما ورد في باب رجوع المحكوم عليه او وليه بخسارته الى شاهد الزور. ثبوت الضمان اذا كان الغار عالماً بالضرر.
وان كان النبوي مطلقا في رجوع الغار الى من غرّه اي سواء كان الغار عالماً او جاهلاً.
[1] . السید البجنوردی، القواعد الفقهیه، ج1، ص2