بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بيست و يك
الثالث:
ان التصريح باجزاء الحج البذلي عن حجة الاسلام لا ينحصر في صحيحة معاوية بن عمار، بل انما وقع مثله في صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبدالله (علیه السلام) الواردة في محل الكلام:
وهي
ما رواه الصدوق في الفقيه باسناده عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجه غيره ثم أصاب مالا هل عليه الحج؟
فقال: يجزي عنهما جمیعا "[1]
فان ضمير التثنية في قوله (علیه السلام): يجزي عنهما جميعاً يحتمل رجوعه الى امرين:
1 - ان يكون مرجع الضمير ما اتى به من الحج البذلي قبل الاصابة، وما لم يات به بعد الاصابة ـ الذي كان واجباً في حد نفسه ـ فيكون مفادهما: ان ما اتى به مجز عن الواجب عليه بالاستطاعة البذلية والواجب عليه بالاستطاعة المالية.
2 - ان يكون مرجعه: الحج الصادر عن النائب والصادر عن المبذول له، اي ما صدر عنه عن غيره، وما صدر عنه بمقتضى البذل، وبعبارة اخرى يرجع الضمير الى ما اتى به النائب عن غيره. وما اتى به المبذول له بمقتضى البذل، ومقتضى الرواية الاجزاء في الموردين. اي اجزاء ما اتى به النائب بعنوان النيابة عن نفسه، وكذا اجزاء ما اتى به بذلاً.
وعند هذا الاحتمال ـ اي الوجه الاخير ـ يلزم رفع اليد عن الاجزاء فيما اتى به النائب عن غيره بعنوان حجة الاسلام عن نفسه لقيام الدليل على عدم اجزاء الصادر عن النائب عن نفسه، واما اجزاء ما اتى به بذلاً فهو تام لا وجه لرفع اليد عنه، فتدل على اجزاء الحج البذلي عن حجة الاسلام.
ويمكن ان يقال:
ان بالنسبة الي الامر الثالث:
فان هنا احتمال ثالث في مرجع ضمير التثنية، وهو رجوعه الى حج المنوب عنه الذي اتي به النائب، وحج المبذول له.
وذلك: لان في سؤال الراوي رجل حج عن رجل، او أحجه غيره، ثم اصاب مالاً، هل عليه الحج؟
فاجاب الامام (عليه السلام): يجزي عنهما، فالاجزاء بالنسبة الى الاول اي رجل حج عن رجل انما أراد (علیه السلام) منه كفاية ما اتى به الرجل عن النائب، فما اتى به النائب يجزي عن المنوب عنه، فانه يلزم رجوع الضمير الى الجملتين اللتين وقعتا في السؤال، وبالنسبة الى الجملة الاولى لا معنى للاجزاء الا كفاية ما اتي به النائب عن غيره، ولا وجه لاستظهار كفاية ما اتى به عن نفسه فيها.واما بالنسبة الى الجملة الثانية، فالمراد كفاية ما اتى به بذلاً، والمراد فيها كفايته عن حجة الاسلام، ومعه لو حج الرجل عن غيره فانما سقط عن غيره الواجب من الحج، في فرض تمامية جهات الاستنابة هذا.
ثم ان العمدة من الدليل علي كفاية الحج البذلي واجزائه عن حجة الاسلام ما دل على قيام الاستطاعة البذلية مقام الاستطاعة المالية نظير صحيحة علاء بن رزين عن ابي عبدالله (علیه السلام):
وهي ما رواه الصدوق في التوحيد بسنده الصحيح عن
العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) قوله تعالى: ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )؟ قال: يكون له ما يحج به... [2]
قلت: فمن عرض عليه فاستحيى؟ قال: هو ممن يستطيع.[3]
وذلك: لان مقتضى الصحيح كغيرها من اخبار الباب تفسير الاستطاعة التي وقعت شرطاً لوجوب الحج في الاية الشريفة، بتقريب ان الاستطاعة في الآية هي ان يكون له ما يحج به، واذا عرض عليه ذلك لكان هو ممن يستطيع، ومقتضى هذا البيان التوسعة في مفهوم الاستطاعة بعمومها للاستطاعة البذلية كالاستطاعة المالية، فلسانها لسان الحكومة بالنسبة الى الآية الشريفة والاخبار الواردة في بيانها من شرطية الاستطاعة للحج.
ومثلها:
صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبدالله (علیه السلام) بقوله (علیه السلام):
«فان كان دعاه قوم ان يحجوه فاستحيى فلم يفعل، فانه لا يسعه الا ان يخرج ولو على حمار اجدع ابتر».[4]
فانها صريحة بهذا التعبير في استقرار الحج على ذمته اذا لم يفعل.
وكذا: ما رواه الصدوق باسناده عن هشام بن سالم عن ابي بصير قال:
سمعت ابا عبدالله (علیه السلام) يقول: «من عرض عليه الحج ولو على حمار اجدع مقطوع الذنب فابى فهو مستطيع للحج.»[5]
فان هذه الاخبار باجمعها تدل على وجوب الحج بالبذل وتحقق الاستطاعة به.
وبما ان الحج واجب في تمام العمر مرة واحدة بمقتضى الاخبار والاجماع والضرورة فلا وجه لتوهم وجوب الحج على الاتي بالحج البذلي عند اليسار وعليه فالمسألة اي القول باجزاء الحج البذلي مما لا كلام فيه ولا بحث.
وانما البحث في هذه المسألة انما يكون في خلاف الشيخ فيما افاده في الاستبصار.
وعمدة الاشكال لما ذهب اليه فيه امران:
1 - ان ما سلكه (قدس سره) في الاستبصار من حمل قوله (علیه السلام): «بل هي حجة تامة» في صحيحة معاوية بن عمار على صحة ما اتى به من الحج وانها اعم من الكفاية لاتصاف الحج الندبي بالصحة والتمامية ايضاً ودفع تنافيه بذلك مع صحيحة الفضل بن عبدالملك، ورواية ابي بصير:
خلاف لظاهر الصحيحة.
وذلك: لان السؤال في الصحيحة انما يكون عن اجزاء الحج البذلي عن حجة السلام وجواب الامام (عليه السلام) «بل هي حجة تامة» راجع الى هذه الحيثية. اي تام في الكفاية والاجزاء ولا يقبل الحمل على الحج الندبي.
هذا مع تنافي الصحيحة حسب ما سلكه من الحمل بما دل على تحقق الاستطاعة التي هي شرط لوجوب الحج بالبذل، المستلزم لاجزائه عن حجة الاسلام، وقد مر انها هي العمدة من الدليل على الاجزاء في المقام.
2 - ان رواية الفضل بن عبدالملك ورواية ابي بصير الدالتين على عدم الاجزاء عند يساره بعد ذلك معرض عنهما لدى الاصحاب مع كونهما بمرآهم ومنظرهم، ولا خلاف من احد في المسألة في كفاية الحج البذلي. وليسا مستندين لعدم الاجزاء الا عند الشيخ في خصوص كتاب الاستبصار.
واعراض المشهور يوجب الوهن في الرواية ولا سيما اذا كان بين القدماء من الاصحاب فضلاً عن اعراض الكل ومنهم الشيخ (قدس سره) في غير الاستبصار.
فالاجزاء هو الوجه في المسألة ولا يتم التعبير عنه بالاقوى الموهم لقوة القول بعدمه.
[1] . الشيخ الصدوق، من لا یحضر الفقیه، ج2، ص423، الحدیث2870.
[2] . ورواه الصدوق في كتاب ( التوحيد ) عن أبيه ومحمد بن موسى بن المتوكل، عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر جميعا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين قال: سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) وذكر مثله، وزاد: قلت: فمن عرض عليه فاستحيى؟ قال: هو ممن يستطيع.( وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 3 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص34، الحديث14168/2)
[3] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 3 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص33-34، الحديث14168/1-2.
[4] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 10 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص41، الحديث14187/3.
[5] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 10 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص42، الحديث14191/7.