بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه دو
وأفاد سيدنا الأستاذ قدس سره:
«... نسب الي الشيخ – في كلامه المتقدم – انه فصل بين الصورتين:
أعني صورة ما إذا كان الزمان الاستقبالي غير دخيل في فعلية الخطاب كمثال الربا،
وصورة ما إذا كان الزمان دخيلا في فعلية الخطاب والملاك كمثال الحيض.
ونسب له القول بالتنجيز فيما إذا كان الزمان دخيلا في فعلية الخطاب دون الملاك، ولعله لاجل تفريقه بين مثال الحيض ومثال الربا والنذر أو الحلف على ترك الوطء، مع فرض كون المحذور في التكليف الفعلي بالفعل الاستقبالي ثبوتيا، فلا يمكن حمل المثالين في كلامه على الواجب المعلق وفعلية الخطاب، بل على ما كان الملاك فعليا فقط دون الخطاب.»[1]
وقد افاد (قدس سره) قبل ذلك ايضاً:
« وقد حمل كلامه على التفصيل في التدريجيات بين ما إذا لم يكن للزمان اللاحق دخل في فعلية الخطاب، وانما كان ظرفا أو قيدا للمتعلق، بحيث يكون التكليف فعليا على كل تقدير في زمان حصول العلم. وبين ما إذا كان الزمان اللاحق دخيلا في فعلية الخطاب والملاك بحيث لا يصير الخطاب ولا الملاك فعليا إلا عند حصول الزمان اللاحق كمثال الحيض، ففي مثله لا يكون العلم الاجمالي منجزا، لأنه لم يتعلق بتكليف فعلي على كل تقدير، فمراده من الابتلاء دفعة وعدمه هو الإشارة إلى هذين الموردين.»[2]
ونظره (قدس سره) الي ما افاده المحقق النائيني (قدس سره) في مقام الاستظهار عن كلام الشيخ (قدس سره).
قال في الفوائد:
لو كانت الأطراف تدريجية الوجود بحيث كان وجود بعضها بعد تصرم الآخر، ففي تأثير العلم الاجمالي مطلقا، أو عدمه مطلقا، أو التفصيل بين ما كان للزمان دخل في الخطاب والملاك وبين مالا يكون له دخل في ذلك، وجوه.
وتفصيل ذلك:
هو أنه تارة: يكون للزمان الذي هو ظرف وقوع المشتبه دخل في التكليف خطابا وملاكا كالأحكام المترتبة على الحيض، فان الحيض هو الدم الذي تراه المرأة في أيام العادة ولزمان العادة دخل في ثبوت تلك الأحكام ملاكا وخطابا.
وأخرى: لا يكون للزمان دخل في التكليف لا ملاكا ولا خطابا وإنما يكون الزمان ظرفا لوقوع المشتبه خارجا، من باب أن كل فعل لابد وأن يقع في الزمان من دون أخذه في موضوع التكليف شرعا، كحرمة الغيبة والكذب والربا ونحو ذلك.
وثالثة:
يكون للزمان دخل في الامتثال والخروج عن عهدة التكليف من دون أن يكون له دخل في الملاك والخطاب نظير الواجب المعلق على القول به.
ويمكن أيضا أن يكون للزمان دخل في حسن الخطاب من دون أن يكون له دخل في الملاك.
فهذه جملة ما يتصور في اعتبار الزمان في الأحكام الوضعية والتكليفية.
فإن لم يكن للزمان دخل لا في الملاك ولا في الخطاب، فلا إشكال في تأثير العلم واقتضائه الموافقة القطعية، فلو علم المكلف بأن بعض معاملاته في هذا اليوم أو الشهر تكون ربوية فيلزمه التحرز عن كل معاملة يحتمل كونها ربوية مقدمة للعلم بفراغ الذمة عما اشتغلت به من التكليف بترك المعاملة الربوية، فان الشخص من أول بلوغه يكون مكلفا بترك المعاملة الربوية صباحا ومساء في أول الشهر وآخره، والتكليف بذلك يكون فعليا من ذلك الزمان غير مشروط بزمان خاص، كالنهي عن الغيبة والكذب.
وإلى ذلك يرجع ما أفاده الشيخ - قدس سره - بقوله: " والتحقيق أن يقال: إنه لا فرق بين الموجودات فعلا والموجودات تدريجا في وجوب الاجتناب عن الحرام المردد بينها إذا كان الابتلاء دفعة " انتهى.
فإن الابتلاء دفعة مع عدم وجود المشتبهات فعلا لا يكون إلا لأجل إطلاق النهي وعمومه لجميع الأزمنة التي توجد فيها المشتبهات التدريجية.
[1]. الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج5، ص182.
[2]. الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج5، ص180.