بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سي و نه
وما رواه الفضل بن الحسين الطبرسي في ( مجمع البيان ) في قوله تعالى: ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) قال: المروي عن أئمتنا ( عليهم السلام ) أنه الزاد والراحلة ونفقة من تلزمه نفقته، والرجوع إلى كفاية إما من مال أو ضياع أو حرفة، مع الصحة في النفس، وتخلية الدرب ـ السرب ـ من الموانع وإمكان المسير.
والروايتان تدلان على مفهوم السعة على ما صرح به الامام (عليه السلام) في رواية ابي الربيع الشامي، ولذلك قال صاحب الوسائل في مقام رد هذا المعنى:
« أقول: لا يبعد أن يكون فهم الرجوع إلى كفاية من خبر المفيد، - وهو ما مرذكره في ذيل حديث ابي الربيع الشامي بقوله: ورواه المفيد في المقنعه الا انه زاد بعد قوله: ويستغني به عن الناس: يجب عليه ان يحج يرجع فيسال الناس بكفه لقد هلك اذاً ثم ذكر تمام الحديث وقال فيه به نفسه وعياله- وليست بصريحة مع كونها مخالفة للاحتياط وبقية النصوص، وكذا رواية الخصال مع إجمالهما واحتمال إرادة الرجوع إلى كفاية يوم واحد أو أيام يسيرة،...»[1]
بل يدّل على مدعى السيد الحكيم في المقام:
ما رواه محمد بن يعقوب وعن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول:
من مات وهو صحيح موسر لم يحج فهو ممن قال الله عز وجل: ( ونحشره يوم القيامة أعمى ) قال: قلت: سبحان الله، أعمى ؟ ! قال: نعم، إن الله عز وجل أعماه عن طريق الحق. ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب، وكذا الذي قبله.[2]
فان مدلولها: ان الحشر يوم القيامة اعمى انما يختص بمن لا يحج وهو صحيح موسر، واما إذا لم يكن صحيحاً او موسراً فان ترك الحج منه ليس مشمولاً له. فمنه يستفاد اعتبار اليسار في الاستطاعة.
وهذه الرواية موثقة سنداً
لان الكليني رواها عن حميد بن زياد. وهو من الطبقةالتاسعة.
وحميد بن زياد بن عماد بن زياد الدهقان، وثقه الشيخ في الفهرست والنجاشي في رجاله وكذا العلامة وابن اشوب. وهو من الطبقة الثامنة.
وهو رواه عن الحسن بن محمد بن سماعة، قال النجاشي (قدس سره) فقيه، ثقة. وكذا العلامة. وهو من اصحاب الرضا (عليه السلام) ومن الطبقة السابعة.
وهو رواه عن احمد بن الحسين الميثمي، وهو احمد بن الحسن بن اسماعيل بن شعيب بن ميثم الميثمي قال النجاشي فيه: صحيح الحديث. وقال الشيخ في الفهرست ايضاً: صحيح الحديث. وهو من اصحاب الرضا (عليه السلام) ومن الطبقة السابعة.
وهو رواه عن ابان بن عثمان الاحمر البجلي، وقدمر انه من الناووسية حسب ما افاده الكشي الا انه قال: ان العصابة اجمعت على تصحيح ما يصح عن ابان والاقرار له بالفقه فالأقرب عندي قبول روايته.
وقدمرّ ايضاً عدم قبول روايته عند العلامة حسب ما نقل عن فخر المحققين الا انه صرح بان ابان ليس بمؤمن و (لافسق أعظم من عدم الايمان) فليس عدم قبول روايته عنده لضعفه في الحديث بل لفساده في العقيدة.
كما قدمر ايضاً تمامية وثاقته، لان من جملة رواته احمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي على ما افاده النجاشي في رجاله والشيخ في الفهرست. وقدروى عنه ابن ابي عمير وصفوان بن يحيى في موارد وكذا أكثر اجلاء الحديث فيشمله التوثيق العام من الشيخ في العدة. وهو من الطبقة الخامسة.
وهو رواه عن ابي بصير وهو عند إطلاق ينصرف الى يحيى بن القاسم.
قال النجاشي: « يحيى بن القاسم أبو بصير الأسدي، وقيل: أبو محمد، ثقة، وجيه، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، وقيل يحيى بن أبي القاسم، واسم أبي القاسم إسحاق. و روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام. له كتاب يوم وليلة. أخبرنا محمد بن جعفر قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن شيبان قال: حدثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير بكتابه. ومات أبو بصير سنة خمسين ومائة. »[3]
وروي الكشي عن حمدويه قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن شعيب العقرقوفي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ربما احتجنا أن نسأل عن الشئ فمن نسأله قال عليك بالأسدي، يعني أبا بصير.[4] وقد روى عنه اكثر اعاظم الطائفة.
ويطلق العنوان على ليث المرادي ايضاً الا ان الامر سهل لتمامية وثاقة الرجلين. وهو من الطبقة الرابعة.
فالرواية موثقة كما عبر عنها السيد الحكيم بالموثقة في مسالة 4 من العروة وان لم يذكرها هنا بعنوان المستند لما افاده وان كان الحقيق ذكرها لدلالتها على اعتبار اليسار والسعة في الاستطاعة.
كما ان تعبيره عنها بالموثقة من جهة اشتمال السند على ابان بن عثمان والا فهي صحيحة من جهة غيره.
ثم ان المستفاد من هذه الاخبار اعتبار السعة واليسار في الاستطاعة ومدعى السيد الحكيم (قدس سره) بعد اعتبارهما فيها عدم تحققها مع كون ما عنده من المال لا يفي بأداء الدين بعد صرفه في الحج. وهذا تام لا نقاش فيه.
وقد افاد السيد الخوئي(قدس سره) ناظراً الى هذه المقالة من السيد الحكيم (قدس سره) بعد قول صاحب العروة: «اذا كان عنده ما يكفيه للحج وكان عليه دين...»
«ففي تقديم كل منهما على الاخر مطلقاً او مع التفصيل خلاف عظيم بين الفقهاء (قدس الله اسراراهم).
فقد ذهب جمع منهم المحقق في الشرائع والعلامة والشهيد الى تقديم الدين مطلقا حالاً كان ـ مطالباً او لا ـ ام مؤجلاً، مع الوثوق بالتمكن من الاداء او بدونه.
نظراً الى عدم صدق الاستطاعة مع الدين استناداً الى ان المعتبر فيها اليسار على ما نطقت به موثقة ابي بصير المؤيدة بروايتي ابي الربيع الشامي وعبدالرحيم القصير، ولا يسار مع الاشتغال بالدين.
وفيه:
ان المراد باليسار ما يقابل الاعسار والا فلا خصوصية لليسر بالضرورة ومن البديهي ان الدين بمجرده لا يستوجب العسر بوجه سيما إذا كان مؤجلاً يوثق بوفائه.»[5]
[1] .وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 9 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص39، الحديث14184/5.
[2] .وسائل الشيعة (آل البيت)، ج11، الباب 6 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ص27، الحديث14156/7.
[3] .النجاشي، رجال النجاشي، ص441، الرقم1187.
[4] .الشيخ الطوسي، اختيار معرفة الرجال، ج1، ص4، الرقم 291.
[5] .الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص116.