بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هجده
وظاهره كلام صاحب الجواهر وجوب الحج وفي مقام دوران الامر بين صرف ما عنده في الحج، او في النكاح حتى مع استلزام تركه المشقة.
وهو مختار المحقق ونقله عن القواعد والمبسوط والخلاف والتحرير.
وظاهر هذا القول وجوب الحج في المقام الا اذا استلزم تركه الحرج، دون مطلق المشقة، بل المشقة التي لا يتحمل عادة.
وهذا ما اختاره صاحب العروة (قدس سره)، فيكون المدار فيه مدار الحرج بعين ما افاده في المسائل السابقة.
ويؤيده بل يؤكده ما نقله عن التحرير: اما لو حصلت المشقة العظيمة فالوجه عندي تقديم النكاح، والمراد من المشقة العظيمة، الحرج اي المشقة التي يصعب تحمله عادة وعرفاً. ونقل مثله عن الدروس ومحكي المنتهى.
وتصريح بعضهم بوجوب الحج ولو مع خوف العنت انما يحمل على الصعوبة التي لا تبلغ حد الحرج. واما مع بلوغه فلا وجه للالتزام بالوجوب لعدم ما يدفع جريان ادلة الحرج في المقام.
والخوف من حدوث المرض، او الوقوع في الزنا وامثاله في كلام صاحب المدارك، وكذا في كلام صاحب العروة تبعاً له انما يمنع عن وجوب الحج لجريان دليل الضرر في الاول، وانطباق عنوان المحرم على وجوب الحج من باب كونه مقدمة للوقوع في الحرام، وان ربما يستشكل فيه بعدم تمامية الانطباق لتوسط الاختيار، الا ان صاحب العروة التزم بعدم وجوب الحج عند استلزامه الخوف من الضرر او الوقوع في الزنا في عداد الحرج ونرى الالتزام به من الشهيد الثاني والمحقق الكركي ايضاً.
والمهم في كلام صاحب الجواهر انه لم يستدل لوجوب الحج في المقام ونقدمه على النكاح بدليل الحرج ابتداءً، بل استدل له بصدق الاستطاعة مع كون ما عنده يتكفل لمصارف حجه وان احتاج الى النكاح في معيشته الحضرية اللائقة، واما الحرج فانما يرفع الوجوب عند استلزام عدم النكاح ذلك.
وظاهر صاحب العروة عدم استثناء النكاح كسائر ضروريات معاشه لعدم استلزام تركه الحرج كساير المستثنيات.
قال السيد الحكيم في المستمسك:
« قال في الدروس: " أما النكاح - تزويجا أو تسريا - فالحج مقدم عليه وإن شق تركه. إلا مع الضرورة الشديدة.. " ونحوه ما في المنتهى وعن التحرير، مع التعبير بالمشقة العظيمة.
أقول: لا ينبغي التأمل في عدم الاستطاعة حينئذ، لما دل على نفي العسر والحرج، كما في الموارد المتقدمة في المسائل السابقة.
ولعل مراد القائلين بالجواز غير هذه الصورة وإن صرحوا بالمشقة، لاحتمال أن يكون المراد من المشقة المشقة اليسيرة، كما يظهر ذلك من ملاحظة ما في الدروس. وإلا فلو كان المراد منها الحرج لم يكن وجه للفرق بين الشديدة وغيرها.
وكيف كان فالحكم - كما ذكر في المتن - إن بلغ ترك التزويج حد الحرج انتفت الاستطاعة، وإلا فهو مستطيع، ويجب عليه الحج.»[1]
وما افاده (قدس سره) تام حسب ما ختاره من المبنى من كون المدار على الحرج تبعاً لصاحب العروة (قدس سرهما).
وافاد السيد الخوئي (قدس سره)
«اما عدم الوجوب في فرض الحرج في ترك التزويج فظاهر لحكومة ادلة نفي الحرج، وكذا في فرض المرض لحديث نفي الضرر الحاكم على الادلة الاولية كدليل نفي الحرج. وهذا من غير فرق بين القول بحرمة الاضرار على النفس وعدمه، اذ المناط في سقوط الوجوب حكومة دليل الضرر التي لا تدور مدار الحرمة، ومن ثم يكون دليل نفي الحرج حاكماً مع عدم حرمة التمكين من الحرج قطعاً.
واما فرض الوقوع في الزنا، فلا نعرف وجهاً لسقوط الوجوب فيه بعد ان لم يكن ترك التزويج حرجياً، ولا ضررياً كما هو المفروض، فهو بسوء اختياره يختار الزنا المحرم عليه، وهذا كما ترى لا يكون عذراً له في ترك الحج الواجب عليه.
وبعبارة اخرى:
هو مكلف بتكليفين الاتيان بالحج والاجتناب عن الزنا، واقدامه على الثاني ـ ان حج ـ لسوء اختياره لا يكون مانعاً عن فعلية وجوب الحج بتاتاً، بل يجب عليه ان يحج وان لا يزني، وهذا ينظر من كان عنده مقدار من النقود وهو يحب جمع المال، ويعلم من نفسه انه لو صرفها في سبيل الحج تسول له نفسه في السرقة لما فيه من شهوة جمع المال، افهل يحتمل ان يكون هذا مانعاً عن الاستطاعة وموجباً لسقوط الحج عنه؟»[2]
ويمكن ان يقال:
ان ما افاده تام بالنسبة الى ما ختاره من المبنى وهو كون المدار في استثناء المستثنيات الحرج. وقد التزم بانه ليس منها النكاح الا ان يستلزم تركه الحرج.
واما بالنسبة الى ما افاده في مقام الاستشكال على صاحب العروة في التزامه بعدم وجوب الحج اذا خاف الوقوع في الزنا، فانه ربما يقال بان في هذا الفرض ربما يكون صرف المال في الحج مقدمة لوقوع الحرام. وقد اجاب عنه بما مر من توسط الاختيار بين الحرام ومقدمته بخلاف مقدمة الواجب التي يفوت الواجب بفوتها. وهذا تام لا نقاش فيه. الا ان يكون نظر صاحب العروة ان الشخص اذا كان شاباً وليس له زوجة فانه بترك التزويج يقع في صعوبة لا تتحمل عادة. ولذا شاع في فتاوى القوم وجوب النكاح اذا خاف الوقوع في الحرام. ومعه فان توسط الاختيار لا يقع مانعاً عن القول بعدم وجوب الحج.
نعم، يكون المورد بناءً عليه من مصاديق الحرج ولا وجه لذكره بعنوان المانع عن وجوب الحج بعنوان مستقل كما صنعه صاحب العروة (قدس سره).
هذا تمام الكلام في المسألة بناءً على كون المدار في استثناء المستثنيات الحرج كما هو اختيار صاحب العروة والسيد الحكيم والسيد الخوئي.
ولكنه يمكن ان يقال:
انه قد مر في حاشية المحقق النائيني (قدس سره): «ان كل ما يحتاج اليه في معيشته اللائقة به تؤخر اعتبار الاستطاعة عن حصوله على الاقوى.»
كما مر في حاشية السيد البروجردي (قدس سره): انه لا يقال للانسان المحتضر المحتاج في حضره الى معايش كثيرة انه يستطيع السفر الا اذا كان له زاد السفر وراحلته زائداً على حوائجه الحضرية، واما من لا يتهيأ، له مؤن السفر الا بهدم اساس تحضره فهو غير مستطيع للسفر عرفاً.
كما انه افاد السيد الشيرازي بدل قول صاحب العروة في المسألة السابقة ان المدار على الحرج، ان المدار على الحاجة العرفية. ولا شبهة ان النكاح للشاب وتزويجه انما يكون من مصاديق المعيشة اللائقة، او المعيشة الحضرية، او من الحاجات العرفية التي لا تقل عن الدار للسكونة، واسباب الكسب ووسائل المنزل والمركب.
نعم: من كانت له زوجة واراد التزويج ثانياً او ثالثاً لا يجري فيه هذا الكلام، واما من اراد التزويج ابتداء وهو في موقعه فانه من ضروريات معيشته عرفاً، ومع هذا الاحتياج لا تتحقق في مورده الاستطاعة العرفية. وعليه فانه يمكن الايراد على ما افاده صاحب الجواهر في مقام الاستدلال لتقدم الحج ووجوبه دون النكاح المستحب، لصدق الاستطاعة المقتضية لوجوب الحج، بانه لا يتم الاقتضاء له لعدم تحقق الاستطاعة العرفية.
نعم، لو كان هناك نص او اجماع على تقدم الحج نلتزم به الا انه مفقود في المقام ظاهراً.
هذا ثم ان في حاشيةالسيد الخوانساري في المقام في ذيل قول صاحب العروة او للوقوع في الزنا: «هذا فرض نادر لامكان دفع الحرج والمشقة بالعقد الانقطاعي»
وهو وان كان تاماً في توجيه الوقوع في لزنا بدليل الحرج كما مر الا ان التمكن من العقد الانقطاعي لا يدفع الحاجة العرفية الى النكاح اللائق بحاله والحاجة العرفية اليه باقية حتى معه.
[1]. السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقي، ج10، ص88-89.
[2]. الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص110-111.