بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و پنج
المراد من الآية الشريفة وجوب السفر إلى البيت وجوبا غيريا، نظير قوله تعالى: ( فتيمموا صعيدا طيبا.. " ( * 1 ) فإنه لا ريب في عدم وجوب السعي إلى التراب وجوبا نفسيا.
قلت:
إذا كان المراد من آية التيمم ذلك - لقرينة في الكلام، وهي قوله تعالى: «ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم..» ضرورة: أن التطهير إنما يكون باستعمال التراب لا بالسعي إليه. أو لقرينة خارجية من إجماع وغيره - فهو لا يقتضي حمل الأمر في المقام عليه، لعدم القرينة عليه.
ولا سيما وكون الوجوب النفسي هو الموافق للارتكاز العقلائي، فإن السعي إلى بيوت أهل الشأن مظهر من مظاهر العبودية. فلاحظ.
والمتحصل مما ذكرنا:
أن البناء على عدم جزئية السفر إلى البيت في الواجب النفسي وأنه مقدمة لا غير خلاف ظاهر الآية، وليس ما يقتضي الخروج عنه، فالبناء على الأخذ بظاهر الآية متعين.
وعلى هذا: لا يجوز وقوع السفر من الميقات إلى مكة على وجه لا يقتضي تقرب المحرم - بأن يكون مملوكا لغيره بالإجارة ونحوها - أو ملكا له لكن على نحو لا يكون مقربا - بأن كان حراما - أو وقع قهرا أو غفلة - كما إذا أحرم وعزم على ترك السفر فقهر على ذلك، أو نام فحمله شخص حتى أوصله إلى مكة - أو كان رياء ونحو ذلك.
نعم، لا يضر إذا وقع فيه نوم أو غفلة مع عزمه عليه، ضرورة الاجتزاء به حينئذ.
ثم إن الإجارة للخدمة لا تقتضي امتناع التعبد بالسفر، إذ وجوب الخدمة المملوكة بالإجارة وإن اقتضى وجوب السفر. لكن لا مانع من التعبد به من جهة وجوب الحج، فيكون السفر واجبا بالإجارة غيريا، وواجبا بالاستطاعة نفسيا.
ولا مانع من اجتماع الوجوبين، ولا من التقرب بهما معا إذا كان كل واحد من الأمرين الغيري والنفسي صالحا للاستقلال بالداعوية إلى فعل الواجب، فلا مانع من وجوب حج الاسلام على الأجير إذا كان مال الإجارة كافيا في حصول الاستطاعة.
أما إذا كان السفر بنفسه مستأجرا عليه، فيكون مملوكا للمستأجر. وحينئذ لا يمكن التقرب به، لأنه مملوك لغير الفاعل، فيمتنع أن يتقرب بالفعل الراجع لغيره. وحينئذ يمتنع أن يجب عليه حج الاسلام، فتكون الإجارة مانعة من حصول الاستطاعة على كل حال.»[1]
واجاب عن هذا الايراد السيد الخوئی (قدس سره) في ضمن شرحه لعبارة صاحب العروة:
«لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحجّ كالطبخ ونحوه يصير بها مستطيعاً أو آجر نفسه لمجرّد المشي مع المستأجر من دون خدمة له وصار بها مستطيعاً وجب عليه الحجّ.
لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحجّ كالطبخ ونحوه يصير بها مستطيعاً أو آجر نفسه لمجرّد المشي مع المستأجر من دون خدمة له وصار بها مستطيعاً وجب عليه الحجّ،والواجب لم يقع عليه عقد الإجارة.
وقد يشكل:
بأنّ ظاهر الآية الشريفة وجوب السفر وجوباً نفسياً، فإنّ المراد بحجّ البيت هو الذهاب إليه والسعي نحوه، فيكون وجوبه كسائر أفعال الحجّ وأعماله، فلا يجوز أخذ الأُجرة عليه وتكون الإجارة فاسدة.
وفيه أوّلاً: أنّ المستفاد من الآية الشريفة مطلوبية نفس أعمال الحجّ والمناسك لا السفر بنفسه ولذا لا يجب السفر عليه من خصوص بلده، ولو كان السفر بنفسه واجباً لزم عدم كفاية السفر من بلد آخر إذا استطاع منه في بلده وهذا مقطوع البطلان.
وكذا لا ريب في إجزاء الحجّ وسقوطه إذا استطاع في بلده أو مكان آخر وقصد الحجّ من الميقات، وذلك يكشف عن عدم وجوب السفر بنفسه وعن عدم دخوله في أفعال الحجّ.
وثانياً:
أنّ ذلك يستفاد من بعض النصوص كصحيحة معاوية بن عمار: الرجل يمر مجتازاً يريد اليمن أو غيرها من البلدان وطريقه بمكّة فيدرك الناس وهم يخرجون إلى الحجّ فيخرج معهم إلى المشاهد، أيجزئه ذلك عن حجّة الإسلام؟ قال: «نعم» .
[1] . السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة، ج10، ص151-156.