سم الله الرحمن الرحيم
جلسه سی و ششم
قال صاحب العروة (قدس سره):
« لو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه إلّا مع خوف الغرق أو المرض خوفاً عقلائياً أو استلزامه الإخلال بصلاته، أو إيجابه لأكل النجس أو شربه، و لو حجّ مع هذا صحّ حجّة، لأنّ ذلك في المقدّمة و هي المشي إلى الميقات كما إذا ركب دابّة غصبية إلى الميقات»[1]
و ظاهر ما افاده (قدس سره) ان محذور رکوب السفينة فی البحر عنده امران:
الاول: خوف الغرق، و الابتلاء بالامراض الخاصة المتعلقة بالسفر البحری او غيرها مما قد يستلزمه السفر و لا يمکن من العلاج.
الثانی: المحاذير التی ربما يستلزمه السفر فی البحر مثل الاخلال بصلاته أو اكل النجس و شربه و بعبارة اخرى ما يستلزمه من المحرمات التی لا يبتلي به فی غير السفر البحری بحسب الغالب.
و افاد (قدس سره): بانه مع عدم هذه المحاذير يجب الحج، و اما مع استلزامه لها فظاهره عدم وجوب الحج و عدم وجوب الرکوب علی السفينة فی الطريق فی فرض انحصار الطريق الا انه لو رکب واتی بالحج لأجزأ عن حجة الاسلام مع عدم وجوبه عليه من الاول بمقتضی استلزامه المحاذير المذکورة. و علله بان هذه المحاذير انما لزمت فی مقدمة الحج و هی السير دون نفس الحج، و هو لا يضر و افاد فی مقام التنزيل انه کرکوب الدابة الغصبية الی الميقات غير المانعة عن صحة الحج نفسه.
قال السيد الخوئي (قدس سره):
« لا ريب في عدم اختصاص وجوب الحجّ بطريق دون طريق، لأنّ المطلوب هو الإتيان بالحج من دون اختصاص بطريق، فلو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه. نعم، إذا خاف على نفسه من الغرق أو المرض لا يجب الحجّ و إن كان خوفاً غير عقلائي، لأن الملاك في سقوط الحجّ هو حصول الحرج، و إذا بلغ خوفه إلى حد يكون السفر و ركوب البحر حرجاً عليه يسقط وجوب الحجّ لنفي الحرج، و إن كان منشأ الخوف و الحرج أمراً غير عقلائي كما قد يتفق ذلك في الشخص الذي يتخوف كثيراً.و بالجملة: دليل نفي الحرج لا يختص بموارد الخوف العقلائي و إنما العبرة بتحقق الحرج و عدمه، فإذا كان تحمل الخوف حرجياً عليه يسقط الوجوب و إن كان منشأ الخوف أمراً غير عقلائي، و إلّا يجب عليه السفر بالركوب في البحر و لا فرق بينه و بين السفر غير البحري.... » [2]
و اساس ما افاده (قدس سره):
ان ما افاده صاحب العروة من وجوب الحج اذا انحصر الطريق فی البحر الا مع خوف الغرق او المرض خوفاً عقلائياً لا يتم المساعدة عليه باطلاقه.
لان الحج انم يتحقق بالذهاب اليه و لا يتوقف وجوبه علی طريق دون طريق و البحر احد هذه الطرق. فلو تمکن من الذهاب اليه بای طريق وجب الحج.
و اما لو خاف من السفر البحری بخوف الغرق او المرض فانه لا وجه لتقييد الخوف المانع عن وجوب الحج بالخوف العقلائي لان الملاک فی سقوط الحج فی مثله لزوم الحرج، و السفر البحری و ان کان مثل السفر البری او الجوی فی کونه معرضاً للخطر الذی لا يتحمل عروضه فی الحضر الا انه لا يوجب اعراض العقلاء بما هم عقلاء عن السفر، و السفر البحری مثله فاذا کان المسير فی البحر من حيث احتمال عروض الحوادث علی وجه لا يعرضون العقلاء عنه فی امورهم المعاشية و الکسبية فانه يجب الحج مع انحصار الطريق فی البحر.
و خوف عروض هذه الحوادث باحتمالها کما لا يمنع العقلاء عن السفر کذلک لا يوجب عدم التمکن من الذهاب الی الحج. و کما ان العقلاء لا يرون فی السفر البحری مشقة غير قابلة للتحمل عندهم فکذلک لا حرج فی نفس البحری يمنع عن وجوب الحج.
ولکن اذا فرض خوف شخص من السفر البحری و لو من حيث کونه کثير الخوف، او انه يخاف من البحر بحيث يکون السفر البحری له حرجياً موجباً للمشقة التی لا تتحمل عادة، فانه لا يجب عليه الحج لاستلزامه الحرج، و لو کان خوفه غير عقلائی.
کما انه ربما يتفق ذلک فی بعض الاشخاص بالنسبة الی السفر الجوی، فانه حيث ان المعيار فی المانعية عن الوجوب الحرج فبلزومه ينتفي وجوب الحج، و لا ملازمة دائماً بين الخوف العقلائي و لزوم الحرج، بل ربما يلزم الحرج من الخوف مع کونه غير عقلائی.
و حيث ان المعيار فی المانعية الحرج فلا وجه اللالتزام بوجوب الحج فی مثله.
و عليه فيلزم تقييد ما افاده صاحب العروة (قدس سره): « إلّا مع خوف الغرق أو المرض خوفاً عقلائياً » بمن لا يستلزم السفر البحری حرجياً بالنسبة اليه.
و ان انما يصح هذا المعيار فی الاشخاص المتعارفة لا من يخاف من السفر البحری علی حد لزوم الحرج عليه و ان کان خوفه غير عقلائی او کانت اسباب خوفه، اسباب غير موجبة للخوف عقلاءً.
هذا، و ما افاده (قدس سره) متين، و نراه فی بعض الاشخاص بالنسبة الی السفر الجوی فی عصرنا کما مرّ.
.[1] السيد اليزدي، العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 432.
[2]. السيد الخوئي، المستند، كتاب الحج، ج 1 ص 239.