بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و نه
وربما يظهر منه (قدس سره) نحو دلالة من النص على التسبيب المذكور.
وقد افاد الشيخ (قدس سره) في الرسالة في الصبي المميز:
« ففي صحيحة زرارة، «فان اصاب صيداً فعلى ابيه»، و هي العمدة فيما في المعتبر و القواعد و الكافي و النهاية من وجوب ما يلزمه من الكفّارة اللازمة، لا ما في المعتبر و غيره من أنّها غرم أدخلها عليه الإذن له في الحجّ، أو الإذن في الحجّ الّذي هو من شرائطه ليس سببا لوجوب الكفّارة على الصّبي، بل السبب له هو ما يفعله الصبيّ من الجنايات.
نعم، جعل الوليّ بالإذن جناياته أسبابا إلّا أنّ مجرّد ذلك لا يوجب التسبيب،...»[1]
ثم انه (قدس سره) ينتقل الكلام ظاهراً الى غير المميز وافاد:
«الا ان المباشر هنا – في بحث الاحجاج – لذات الفعل ضعيف، فإنّ الصبيّ في فعل ما يحرم على المحرم كالغافل في حركاته، و لذا ورد أنّ «عمده خطأ بل كالبهائم في حركاتها.»
ومنه يظهر ان الصبي – والقدر المتيقن منه في كلامه، بل الظاهر منه غير المميز – بما انه لا يتمكن من القصد في ما يصدر عنه فهور كالغافل في حركاته، ولذلك ان بين الصبي والولي ليس الصبي بعنوان المباشر اقوى من السبب، بل الولي في هذا المقام اقوى في التسبيب الا ان الشيخ يتردد في ان تصوير الاذن في المميز او الاحجاج في غيره هل يوجب التسبيب ام لا؟
فافاد (قدس سره) بعد ذلك:
«و الظاهر أنّه لا كلام في وجوب الغرم فيما لو فعل في أفعال هؤلاء ما يوجب سببيّة الإتلاف.
و عن الحلّي: عدم وجوب شيء، لا فيما يوجب عمده و خطاؤه، و لا فيما يوجب عمده فقط.
أمّا الثاني فلأنّ عمده خطأ، و أمّا الأوّل فلاختصاص الحكم بالمكلّفين، و الوجوب على الناسي في البالغ بالنصّ و الإجماع »[2]
وعن التذكرة الوجوب في القسم الاول – فيما يوجب عمده وخطأه – على نفس الصبي دون الولي، لانه السبب كاتلافاته، وظاهر المحكي عنه التردد في القسم الثاني – فيما يوجب عمده فقط – بين الوجوب على الولي وعدم الوجوب على احد.
وفي ظاهر المعتبر وجوب الكفارة في القسم الاول – فيما يوجب عمده وخطأه – على الولي. والتردد في الثاني فيما يوجب عمده فقط.
واما مؤونة القضاء لو افسد الصبي الحج، ففي الدروس:
« وفي وجوب مؤونة القضاء على الولي نظر، أقربه الوجوب.»[3]
والذي يظهر في كلام الشيخ (قدس سره) ان نظرية الاعلام في تصوير التسبيب في المقام مختلفة.
فالعلامة (قدس سره) انما يرى التسبيب في الصبي في خصوص ما يوجب عمده وخطأه الكفارة.
وتردد في ما يوجب عمده الكفارة في وجوب الكفارة على الولي، لانه سبب او عدم وجوبها على احد.
كما ان المحقق (قدس سره) لا يرى التسبيب في ما يوجب عمده وخطأه الكفارة، بخلاف العلامة.
واما فيما يوجب عمده الكفارة تردد في تصوير سببية الولي او عدم سببيّته.
كما ان ظاهر ابن ادريس (قدس سره) في السرائر عدم تصوير التسبيب في المقام بوجه لا فيما يوجب عمده وخطأه الكفارة، ولا فيما يوجب عمده الكفارة.
ويمكن ان يقال:
ان بالنسبة الى غير المميز لا يمكن ان يقال تصوير التسبيب بوجه.
وذلك:
لان غير المميز غير قابل لتعلق التكليف من غير حاجة الى رفع القلم عنه او كون عمده خطأ لما مر من عدم قابلية لوضع التكليف وعدم صدور ما يتقوم بالقصد عنه، وعليه فان الولي في احجاجه لا يوجب ولا يسبب ما يقتضي الكفارة لعدم اقتضاء الكفارة فيما يفعله.
نعم قام النص على انه لو اصاب صيداً فعلى ابيه، وبما ان المفروض في صحيح زرارة احجاج الصغير الظاهر في غير المميز كما ان المفروض عدم صدور ما يتقوم بالقصد عنه المستلزم لعدم إمكان تصوير العمد في اصابة الصيد من قبله، فانه يترتب على إصابة الصيد من قبل الصبي وجوب الكفارة على ابيه، وهذا انما يكون بدلالة النص.
وان امكن تصوير مطابقته للقاعدة بادعاء ان الموجب للكفارة في الصيد نفس الاصابة، بلا فرق بين كون الفاعل صغيراً او كبيراً او اصابه عمداً او خطاً وحيث ان غير المميز غير قابل لتعلق التكليف بوجه، فانما توجه التكليف المزبور الى وليه كما في واجبات الاحرام في مقام احجاجه واحرامه.
وليس وجوب ذلك على الولي من جهة تسبيبه، بل من جهة ان الاحجاج تكليف ندبي متوجه اليه دون الصبي.
كما انه لا يتم ذلك في غير الصيد لما مر من عدم وجود الاقتضاء للحكم اي وجوب الكفارة فضلاً عن توجهه الى الولي.
ولكن هذا كله مع غمض العين عن كون مسألة الصيد منصوصة بعنوانها لا يقبل التعدي الى غيرها كما انه لايلزم ان يكون قوله (عليه السلام) من جهة التسبيب لعدم علمنا بمناطات الاحكام.
اما بالنسبة الى الصبي المميز.
فهو وان كان قابلاً لتعلق التكليف الا ان ما ورد من عمد الصبي خطأ بناءً على التعميم على ما قررناه من عدم ما يوجب اختصاصه بالديات. يقتضي انه لا يترتب على ما صدر عن الصبي عمداً الا ما يترتب على غيره خطأ من التكاليف ومن جملة هذه التكاليف الكفارات وعليه فلا يوجب على الصبي شيء حتى يتكلفه الولي.
نعم، اذا قام النص على وجوبه على الولي كما في الصيد لاخذ به بعنوانه ولا وجه للتعدي عنه الى غيره من الكفارات.
و بالجملة انه لا يتم تصوير التسبيب بالاحجاج او الاذن في المقام وعلى فرض تمامية تصويره لا دخل له في المقام لان بالنبسة الى الصيد يكون الدليل لوجوب الكفارة النص وفي غيره الصيد لا كفارة بمقتضى عمد الصبي خطأ، وكذا رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم.
فظهر ان الوجهين الذين ذكرهما المحقق العراقي لاختيار صاحب العروة (قدس سره) لا وجه لهما كما مر مناقشة لهما في الحاشية. وعليه فان الالتزام بان في سائر الكفارات غير الصيد يجب على الولي تكلفها وقرره اقوى، لا دليل عليه.
وان ذهب اليه الشيخ في النهاية والتهذيب والنهاية والعلامة في القواعد والتحرير والحلبي في الكافي كما اختاره مالك والشافعي في احد قوليه.
ولعل ما افاده السيد البروجردي في الحاشية من ان القوة غير واضحة، او ان القوة ممنوعة في حاشية السيد الشيرازي (قدس سره) ناظر الى عدم تمامية الوجهين من التعدي من الصيد الى غيره في صحيحة زرارة، والتسبيب وانه لا دليل عليه غيرهما.
وعليه فالحق في المسالة وجوب الهدي على الولي وكذا الكفارة الصيد واما في غيره من الكفارات الاحرام ليس على الولي شيء كما انه لا يجب على الصبي شيء ايضاً.
[1]. الشيخ الانصاري، كتاب الحج، ص17-18.
[2]. الشيخ الانصاري، كتاب الحج، ص18.
[3]. الشهيد الاول، الدروس، ج1، ص307.