بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت شش
ومما حققناه قد ظهر انه لا يتم الالتزام بما افاده السيد الخوئي (قدس سره) فيها قال في التقريرات:
«وبالجملة قوله (ع) «عمد الصبي خطأ» يشمل المورد الذي له سنخان من الحكم، حكم ثابت لصورة العمد، وحكم ثابت لصورة الخطأ، وهذا النحو من الأحكام، إنما هو في باب الجنايات والديات، فإذا جنى الصبي عمدا يترتب على فعله أحكام الخطأ، وإذا ارتكب القتل عمدا، ويعامل معه معاملة القاتل خطأ، وأما المورد الذي ليس له إلا حكم واحد مترتب على صورة العمد خاصة كأكثر الأحكام فغير مشمول لهذه الجملة بل لأجل عدم تحقق العمد. بل الوجه في عدم وجوب الكفارات على الصبي، إن كل حكم إلزامي مترتب على فعل الصبي مرفوع بحديث رفع القلم وعدم جريه عليه، ومقتضاه أنه لا يلزم بشئ، وهذه الأمور المترتبة على أعمال الحج من قبيل التكليف، والحكم التكليفي مرفوع عن الصبي لحديث رفع القلم.»[1]
لانه يلاحظ عليه:
اولاً: ان مع عدم تمامية الاستدلال بما ورد من قولهم (عليهم السلام): «عمد الصبي خطأ» لا يتم استناد عدم وجوب الكفارات على الصبي في المقام ـ وهو الصبي غير المميزـ بان كل حكم الزامي مترتب على فعل الصبي مرفوع بحديث رفع القلم.
وذلك لما مر من أن مفاد حديث رفع القلم رفع قلم التكليف عن الصبي امتناناً وليس غير المميز موضوعاً له لعدم امكان تكليفه.
وثانياً:
إن ما افاده (قدس سره) بان قوله(عليه السلام): «عمد الصبي خطأ» انما يشمل المورد الذي له سنخان من الحكم:... حكم ثابت لصورة العهد وحكم ثابت لصورة الخطأ...
ففيه:
ان قوله (عليه السلام): «عمد الصبي خطأ» لو قلنا بشموله لمورد الصبي غير المميز فإنما ينحصر مدلوله فيما مر من كلام الشيخ(قدس سره) من ان كل ما صدر عنه ليس فعلاً قصدياً، اي لا يصدر منه عمد. بل ان كل ما صدر عنه خطأ، و لو كان هناك حكم يترتب على الفعل الصادر خطأ فانما يشمل مورد الصبي. واما بالنسبة الى المميز فبما انه يمكن تصوير صدور الفعل القصدي منه فانما حكم الشارع بان عمده خطأ وحيث ان ما صدر عنه عمداً ليس خطأً واقعاً وتكويناً فلا محالة ان ذلك، وخصوصاً من جهة كونه تعبدياً، تنزيل للعمد منزلة الخطأ والتنزيل لا محالة ليس على نحو مطلق بل يلزم ان يكون في جهة خاصة. وحيث ان الشارع شأنه التشريع فلا محالة يكون هذا التنزيل في مقام التشريع وجعل الحكم وان ما صدر عن الصبي المميز عن قصده وعمده وفي جميع الموارد التي يتقوم ما صدور عنه بالقصد يكون محكوماً بحكم الخطأ تعبداً. وليس معنى ذلك لزوم كون الخطأ موضوعاً لحكم الزامي من الوجوب او الحرمة، بل ان المراد ان كل ما يترتب على الخطأ عند الشرع، فانما يترتب على ما صدر عن الصبي عمداً، ولو كان ما يترتب عليه عدم الوجوب وعدم الحكم وان شئت قلت: الحكم بالبراءة. فاذا كان مراد السيد الخوئي (قدس سره) من اصراره على ان قوله (عليه السلام): «عمد الصبي خطأ» انما يشمل المورد الذي له سنخان من الحكم: حكم ثابت لصورة العمد، وحكم ثابت لصورة الخطاء هذا المعنى لا نقاش فيه.
ولكن المشكل فيه، انه لا يختص هذا بباب الديات والجنايات حسب ما افاده بل هو جار حتى في المقام فان المحرم اذا استعمل الطيب عمداً فله حكم، ويجب عليه واذا استعمله خطأً وغفلة فلا يترتب على العمد، لانه لايجب عليه شيء.
فما وجه منع شمول الحديث لباب الكفارات.
فان قوله (قدس سره): «واما المورد الذي ليس له الا حكم واحد مترتب على صورة العمد خاصة كاكثر الاحكام ففيه شمول لهذه الجملة» انما يدل على ان مراده من السنخين من الحكم حكم خاص الزامي متعلق بالخطأ وحكم خاص الزامي متعلق بالعمد ولذا مثل به بمورد القتل الذي يكون في عمده وجوب القصاص وفي خطأه وجوب الدية على العاقلة. وهذا ادعاء لا يدل عليه دليل وما قامت عليه قرينة.
الا ان يقال: ان في رواية اسحاق بن عمار «الصبيان خطأ تحمله العاقلة» الدلالة على ذلك.
ولكن قد مر انه مع تمامية اعتبار الرواية لا قرينة لقوله (عليه السلام): «تحمله العاقلة» لاختصاص الحكم بالديات وتقييده بها، والا لزم جريانه في خصوص ما يجب على العاقلة في صورة خطأه كالقتل لا مطلقا ولا يلتزم بها احد.
وثالثاً: لعل المنشأ لما افاده السيد الخوئي (قدس سره) في المقام من ان الحديث انما يشمل المورد الذي له سنخان من الحكم....
ما افاده صاحب الجواهر (قدس سره) فيما مر من كلامه:
« بل صرح فيه أيضا بأنه إن قتل صيدا فعلى أبيه، وبه أفتي الأكثر في كل ما لا فرق في لزومه للمكلف في حالتي العمد والخطأ، خلافا للفاضل في محكي التذكرة فعلى الصبي الفداء لوجوبه بجنايته، فكان كما لو أتلف مال غيره، وكأنه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر، نعم قد يقال ذلك فيما يختلف حكمه في حال العمد والسهو في البالغ كالوطي واللبس إذا اعتمد الصبي، فعن الشيخ أنه قال: " الظاهر أنه تتعلق به الكفارة على وليه، وإن قلنا إنه لا يتعلق به شئ - لما روي عنهم (عليهم السلام) " إن عمد الصبي وخطأه واحد " والخطأ في هذه الأشياء لا يتعلق به كفارة من البالغين - كان قويا " واستجوده في المدارك لو ثبت اتحاد عمد الصبي وخطأه على وجه العموم، لكنه غير واضح لأن ذلك إنما ثبت في الديات خاصة».[2]
لكن نظر الشيخ (قدس سره) شمول الحديث لمورد الكفارات وتصريحه بان الخطأ في هذه الاشياء لا يتعلق به كفارة من البالغين، والمورد الذي صرح به الوطي واللبس ولا كفارة فيها عند الخطأ.
فانه وان طرح فيه بحث اختلاف الحكمين في العمد الخطأ الا انه اطبق الحديث بموارد الكفارات.
كما ان صاحب الجواهر (قدس سره) قد صرح بان وجوب الكفارة الصيد على الولي انما يثبت بمقتضى صحيحة زرارة.
وقد أفتى الاكثر به ـ أي كون الكفارة على الولي ـ في كل ما لا فرق في لزومه للمكلف بين حالتي العمد والخطأ.
فان مراده ان في كل مورد يكون كالصيد وانه وجبت الكفارة فيه على الصياد سواء كان عامداً او غافلاً ومخطئاً ومن المعلوم ان هذا الكلام لا بأس بالالتزام به من جهة أنه ترتب الحكم على نفس ما يصدر بلا فرق في فاعله بين كونه كبيراً اوصغيراً بالغاً او صبياً ومن المعلوم ان غير الصيد من محرمات الاحرام ليس بهذه المثابة، بل يفرق الحكم في عمدتها بين صورة العمد وصورة الخطأ بالتقريب الذي حققناه في قبال ما افاده السيد الخوئي (قدس سره).
هذا تمام الكلام في تحقيق ما افاده صاحب العروة (قدس سره) من اختصاص قوله (عليه السلام) عمد الصبي خطأ بالديات. و قد عرفت انه لا وجه للإختصاص، وان الحديث يشمل الكفارات ايضاً وغيرها من الاحكام التكليفية.
نعم، لا وجه عندنا للاستدلال به في خصوص المقام وهو احجاج الصبي غير المميز لما عرفت من المحذور.
اما الوجه الثاني من الوجهين اللذين استدل بهما صاحب العروة اولاً واورد عليها بعد ذلك:
انصراف ادلة الكفارات عن الصبي.
فافاد (قدس سره) في مقام الجواب عنه:
«والانصراف ممنوع والا فيلزم به في الصيد ايضاً.»
ويمكن ان يقال:
ان تقريب الانصراف هو ان ادلة الكفارات منصرفة عن الصبي لان الكفارات الواردة في محرمات الاحرام احكام تكليفية والصبي ليس مكلفاً بتكليف.
وفي بعض الكلمات انها تأديب وعقوبة والصبي لا عقوبة على مخالفته.
[1]. السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص42.
[2]. الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، ج17، ص239-240.