بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و پنج
و يمكن ان يقال:
انه لا شبهة في شمول الحديث «عمد الصبي وخطأه» واحد بالنسبة الى الديات والجنايات ولذا ذكره اصحاب الحديث والتدوين في ابواب الديات ولكن هنا جهات:
الاولى:
ان في محرمات الاحرام كفارة و فداء يختص بحال العمد وهذا لا شبهة فيه و اما في صورة الخطاء اي اذا اتى المحرم بها خطأً، فانه وان ليس عليه شيء ـ كفارة وفداء ـ الا انه ليس معناه ان المحرم في صورة الخطأ لم يكن محكوماً بحكم، فان عدم وجوب شيء عليه حكم في قبال وجوبه في صورة العمد. و هنا لو اراد قائل ان يقول: بان المجنون في فرض احرامه اذا اتى بالمنافي عمداً، فانه لا شيء عليه اي لا يكون محكوماً بما يجب على العامة، ولكن قال هذا المطلب بلسان انه لا موضوعية لتعمده في اتيان المنافي او انه لا فرق بين صورة تعمده وخطأه في عدم وجوب شيء عليه فهل هذا صحيح ام لا؟
والتعبير في الصحيحة «عمد الصبي وخطأه واحد» انما يراد به هذا المعنى مطلقا بلا فرق فيما بين ابواب الكفارات وابواب الديات. اذ ليس هنا فرق اكثر من ان في ابواب الكفارات لا يجب على الصبي شيء في صورة العمد و لا يتحمل عنه غيره شيء وفي ابواب الجنايات لا يجب عليه شيء و لا يجري في مورده امره، وانما تحمل عاقلته الدية. وهذه الجهة انما كانت لاجل ان في خصوص القتل يلزم الجبر بالنسبة الى المقتول و ورثته بنوع بخلاف مورد الكفارات.
الثانية:
إن مامر في كلام السيد الحكيم (قدس سره) من ظهور الخبر في المقابلة بين صورة العمد و الخطأ لوكان مراده المقابلة بين حكمها فهو تام، لان صورة الخطأ لا يجري عليها حكم صورة العمد.
و يؤيد كون نظره (قدس سره) الى ذلك قوله: وهو الظاهر من مقابلة الخطأ بالعمد لشيوع التعبير بها عن الجناية العمدية والخطئية، فان في ابواب الديات أن حكم العمد لا يجري على صورة الخطأ وكذا العكس، بل إن كل واحد من الصورتين محكوماً بحكم غير الآخر.
وهذا لا كلام فيه:
واما ما يظهر من كلامه (قدس سره) من ان قوله (عليه السلام) تحمله العاقلة انما يختص بالجنايات لا مطلقا.
فيمكن ان يقال: ان ما افاده تام مع تمامية اعتبار رواية اسحاق بن عمار، واما مع عدم تماميته من حيث السند كما مر تسقط هذه القرينة و لايبقى لنا الا قوله (عليه السلام) «عمد الصبي وخطأه واحد».
وبناءً على تمامية اعتبار الرواية استناداً الى ما افاده الشيخ (قدس سره) من عمل الطائفة باخبار غياث بن كلوب فيما لا يكون فيه خلافه، وقلنا ان المورد مصداق له فان قوله (عليه السلام): «تحمله العاقلة» في رواية اسحاق بن عمار لا ينافي قوله (عليه السلام): «عمد الصبي وخطأه واحد» و ذلك لعدم التنافي بينهما.
فان قوله (عليه السلام): «عمد الصبي وخطأه واحد» ظاهر في جريان حكم الخطأ على ما صدر عن الصبي عمداً، وليس المراد جريان حكم العمد على ما يصدر من الصبي خطأً مسلماً. وقوله (عليه السلام): «عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة». بيان هذه القاعدة اي جريان حكم الخطأ على ما صدر عن الصبي عمداً مع اضافة تطبيق القاعدة المذكورة على المصداق، وتطبيق امر كلي على مصداق خاص لا يدل على حصر الكلي به. وعليه يمكن تصوير ان الكبرى امر جارية في مصاديق متعددة منها مورد الديات والجنايات، ولكنه احد مواردها، و في الرواية بناء على اعتبارها أُكّد عليه وصُرح به وهذا لا يمنع عن جريان الكبرى المذكورة في غيرها بعد امكان تصوير العمد والخطأ فيها بالنسبة الى الصبي.
الثالثة:
ان موضوع البحث في المقام احجاج الصبي غير المميز وكل ما افاده صاحب العروة (قدس سره) وغيره من الاعلام من كون الهدي على الولي او كفارة الصيد كان في موضوع غير المميز كما ان الاخبار الدالة على وجوب الهدي على الولي و وجوب كفارة الصيد عليه خاصة بغير المميز، وانما يدل عليه قوله: «فاحرموا عنه وجرِّدوه وغسلِّوه كما يُجرد المحرم» في مورد سؤال الراوي: «ان معنا صبياً مولوداً فكيف نصنع به» في صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن ابي عبدالله (عليه السلام).
او قوله (عليه السلام): «ويطاف بهم ويرمى عنهم» في صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبدالله (عليه السلام) او قوله (عليه السلام): «اذا حج الرجل بإبنه وهو صغير فانه يآمره ان يلبي ويفرض الحج فان لم يحسن ان يلبي لبو عنه ويطاف به ويصلى عنه» وهكذا في صحيحة زرارة عن احدهما (عليهما السلام).
فان هذه الاخبار كلها ظاهرة بل صريحة في بيان كيفية احجاج الصبي لا حج الصبي وموضوعها غير المميز.
وحينئذ فانه يقع البحث في ان غير المميز من الصبي هل يمكن تصور العمد في افعاله ام لا؟
قال الشيخ (قدس سره) في الرسالة في بيان قوله (عليه السلام): «فان اصاب صيداً فعلى ابيه» في صحيحة زرارة.
«و هي العمدة فيما في المعتبر و القواعد و الكافي و النهاية من وجوب ما يلزمه من الكفّارة اللازمة، لا ما في المعتبر و غيره من أنّها غرم أدخلها عليه الإذن له في الحجّ، أو الإذن في الحجّ الّذي هو من شرائطه ليس سببا لوجوب الكفّارة على الصّبي، بل السبب له هو ما يفعله الصبيّ من الجنايات. نعم، جعل الوليّ بالإذن جناياته أسبابا إلّا أنّ مجرّد ذلك لا يوجب التسبيب، إلّا أنّ المباشر هنا لذات الفعل ضعيف، فإنّ الصبيّ في فعل ما يحرم على المحرم كالغافل في حركاته، و لذا ورد أنّ «عمده خطأ» بل كالبهائم في حركاتها.»[1]
وظاهر كلام الشيخ (قدس سره) ان معنى عمده خطأ في الاخبار انه لا يصدر عمد عن الصبي، بل ان ما يصدر عنه نظير ما يصدر عن الغافل. وما افاده (قدس سره) تام بالنسبة الى الصبي غير المميز وتعبيره (قدس سره) بانه كالبهائم فانما يتم في خصوص ان ما يصدر عنه يكون كما يصدر عن الغافل وليس مراده (قدس سره) انه كالبهائم في جميع الاحكام والجهات كما انه قد مر التعبير بالبهائم في مورد المجنون في كلام السيد الخوئي (قدس سره) وقد مر انه تنظير في خصوص هذه الجهة لا مطلقا من الاحكام الواردة في مورده.
واما الصبي المميز، فانه لا شبهة في تصوير العمد في مورده فان المراد من العمد في مقابل الخطأ صدور الاعمال عن قصد منه وهذا لا شبهة فيه بالنسبة الى المميز، ولذا التزم كثير من الاعلام بمشروعية عبادته، بل قد مر في بعض الكلمات «ضرورة العلماء والعوام على صحة اعماله القصدية من صلاة وصيام وسفر واقامة عشرة ايام و...»[2]
ومن الواضح ان مع صحة هذه العمال من المميز فلا معنى للبناء على كون قصده فيها بمنزلة العدم.
فلا معنى لكون المراد من «عمد الصبي وخطأه واحد» عدم صدور الفعل عن الصبي عن عمد او عدم صدور الافعال القصدية منه.
فيلزم ان يكون المراد منه بالنسبة الى المميز عدم محاسبة ما صدر منه عن قصد الفعل القصدي و العمد.
وعليه فربما يقال: بانه لا دلالة في قوله (عليه السلام): «عمد الصبي خطأ» او «عمده وخطأه واحد» بالنسبة الى ما صدر عن غير المميز لعدم تصوير صدور الفعل القصدي عنه، بل القابل لصدور الافعال القصدية او العمدية هو المميز من الصبي. فلا موضوع للخبرين في غير المميز فلا وجه لاستدلال بهما والاستناد اليهما في عدم وجوب الكفارة على غير المميز بوجه.
ويمكن تاييد هذه المقالة:
بان ما ورد من قولهم (عليه السلام): «عمد الصبي وخطاه واحد» او «عدم الصبيان خطأ» يكون مدلوله مدلول ما ورد من قولهم (عليهم السلام):«من رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم» حيث ان المراد من رفع القلم فيه على ما مر في محله رفع قلم التكليف والالزام دون رفع الوضع وقد بحث في محله ان رفع القلم اي قلم التكليف عن الصبي امتناني انما رفع الالزام عنهم منة عليهم ولا شبهة في ان الامتنان انما يتحقق اذا امكن في مورد الوضع والا فلا معنى للرفع من غير امكان للوضع وحيث ان الصبي المميز لا مانع عن التكليفه عقلاً و لا عقلاءً لإمكان صدور الافعال القصدية عنه، فانما رُفع التكليف عنهم منة مع امكان وضعه وصحة وضعه.
وهذا المعنى جار بالنسبة الى الصبي المميز، واما غير المميز فهو خارج عن شمول رفع القلم لانه غير قابل لوضع الالزام والتكليف، فلا معنى لرفع التكليف عنه امتناناً.
نعم، لو التزمنا بان رفع القلم انما يعم الوضع، فانه يتصور الوضع في مورد غير المميز، لان الاحكام الوضعية احكام تترتب على ما صدر عن الشخص اي: ما باشره سواء كان عن قصد او لا عن قصد كالصادر خطأً او غفلة وهو قابل للتحقق في مورد غير المميز.
ولكنه لا يتم الالتزام به حسب المبنى وما إلتزم به أعلام الفقه.
فيمكن ان يقال: في مقام النتيجة ان «عمد الصبي خطأ» مفاده مفاد رفع القلم عن الصبي الصادق في المميز، فيترتب على افعاله القصدية في التكاليف ما يترتب على الافعال الخطأية، والصادرة عن غفلة، فلا يشمل الخبرين غير المميز بوجه، ولا يتم ما نراه من الاستناد به في المقام اي في مقام احجاج غير المميز.
[1]. الشيخ الانصاري، كتاب الحج، ص17-18.
[2]. السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقي، ج10، ص28.