بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و چهار
الثالث:
الأخبار الكثيرة المساوقة لهذا الخبر الشريف، الظاهرة في الاستحباب بقرائن مذكورة فيها:
منها:
قول النبي (صلى الله عليه وآله) في رواية النعمان، وقد تقدم في أخبار التوقف.»[1]
ومراده من الرواية المذكورة، ما رواه الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي في اماليه عن ابيه، عن علي بن احمد الحمامي، عن احمد بن محمد بن القطان، عن اسماعيل بن ابي كثير، عن علي بن ابراهيم، عن السري بن عامر، عن النعمان بن بشير قال:
سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن لكل ملك حمى وإن حمى الله حلاله وحرامه، والمشتبهات بين ذلك، كما لو أن راعيا رعى إلى جانب الحمى لم يثبت غنمه أن تقع في وسطه، فدعوا المشتبهات.[2]
ومنها مرسلة الصدوق السابقة في الفقيه قال: ان اميرالمؤمنين (عليه السلام) خطب الناس، فقال في كلام ذكره:
«حلال بين، وحرام بين، وشبهات بين ذلك، فمن ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له أترك، والمعاصي حمى الله، فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها.»[3]
ومنها: رواية ابي جعفر الباقر (عليه السلام).
ما رواه محمد بن علي بن عثمان الكراجكي في كتاب (كنز الفوائد)، عن محمد بن علي بن طالب البلدي، عن محمد بن ابراهيم بن جعفر النعماني، عن احمد بن محمد بن سعيد بن عقده، عن شيوخه الاربعة، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن النعمان الاحول، عن سلام بن المستنير عن ابي جعفر الباقر (عليه السلام) قال:
قال جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيها الناس ! حلالي حلال إلى يوم القيامة، وحرامي حرام إلى يوم القيامة، ألا وقد بينهما الله عز وجل في الكتاب، وبينتهما لكم في سنتي وسيرتي، وبينهما شبهات من الشيطان وبدع بعدي من تركها صلح له أمر دينه، وصلحت له مروته وعرضه، ومن تلبس بها وقع فيها واتبعها، كان كمن رعى غنمه قرب الحمى، ومن رعى ماشيته قرب الحمى، نازعته نفسه إلى أن يرعاها في الحمى، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله عز وجل محارمه، فتوقوا حمى الله ومحارمه الحديث. [4]
ومنها:
ما ورد من:... واعلم أن في حلالها حسابا، وفي حرامها عقابا، وفي الشبهات عتابا...[5]
ومنها:
ما رواه الصدوق عن أبيه، عن سعد، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن فضيل بن عياض، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: من الورع من الناس ؟ قال: الذي يتورع عن محارم الله، ويجتنب هؤلاء، فإذا لم يتق الشبهات وقع في الحرام، وهو لا يعرفه. الحديث.[6]
والمستفاد من هذه الاخبار، عدم لزوم الاجتناب عن الشبهة، لأن ما يستظهر منها ولو من جهة اقترانها بقرائن متعددة، ان الاجتناب عن الشبهة امر مطلوب محبوب، ولكن لا علي نحو اللزوم.
فإن قوله (عليه السلام) كما لو ان راعياً رعي الي جانب الحمي لم يثبت غنمه ان تقع في وسطه في رواية نعمان بن بشير.
او قوله (عليه السلام): فمن ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له اترك.
في مرسلة الصدوق.او التعبير عن المعاصي والمحرمات بحمي الله، وإنما كان المطلوب في مقام العبودية والاطاعة الاجتناب عن قرب هذا الحمي، لئلا يقع في نفس الحمي، في رواية سلام بن المستنير عن ابي جعفر (عليه السلام).
او التعبير بأن في الشبهات عتاباً في قبال ان حرامها عقاباً، و اطلاق عنوان الورع علي من اتقي الشبهات.
تدل بأجمعها علي ما كان في صدد بيانه، من انه ليس مفاد الاخبار الواردة بهذا اللسان المعبر عنها بأخبار التثليث لزوم الاحتياط ووجوبه في الشبهة بعنوانه، وعلي نحو المولوية.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره): هذه الروايات بعنوان المؤيد في ضمن المؤيدات التي ذكرها لما ادعاه (قدس سره) من ان المقصود من الأمر بطرح الشبهات ليس خصوص الالزام، لأنها مع ضعفها من حيث السند بانفرادها، ما ورد بهذا اللسان ربما يبلغ حد الاستفاضة.
وحاصل ما افاده (قدس سره) في مقام الجواب: ما حققه سابقاً في الجواب عن الطائفة الثانية الواردة في الوقوف عند الشبهة، وأنه خير من الاقتحام في الهلكة، من ان الوجه فيه الحمل علي الارشاد، فهذه الأوامر يرشد الي خصوصية وحيثية في ارتكاب الشبهة، وهو الوقوع في الحرام، فإن كان الحرام المذكور المحتمل قد تنجز بدليل اخر، فإن هذه الأوامر ترشد الي امر الزامي، وهو احتمال للتكليف المنجز، وإن لم يكن للحكم المحتمل في الشبهة منجز بدليل، وليس التكليف المحتمل المذكور فعلياً، فلا يجب الاجتناب عنه، وإن هذه الأوامر انما ترشد الي حيثية مطلوبة للشارع، ولكن لا علي نحو الالزام.
وقد اكد (قدس سره) بأنه لا يستفاد من هذه الاخبار حكم مولوي بوجوب الاجتناب عن الشبهة، لا علي نحو المقدمية، ولا علي نحو النفسية الظاهرية علي ما تقدم، فلا تتكفل هذه الاخبار لمعارضة ما دل علي البرائة عنده.
الاستدلال بدليل العقل لوجوب الاحتياط في الشبهة
قال في الكفاية:
«وأما العقل: وأما العقل: فلاستقلاله بلزوم فعل ما احتمل وجوبه وترك ما احتمل حرمته، حيث علم إجمالا بوجود واجبات ومحرمات كثيرة فيما اشتبه وجوبه أو حرمته، مما لم يكن هناك حجة على حكمه، تفريغا للذمة بعد اشتغالها، ولا خلاف في لزوم الاحتياط في أطراف العلم الاجمالي إلا من بعض الأصحاب.»[7]
وأجاب عن الوجه المذكور بقوله:
«والجواب: إن العقل وإن استقل بذلك، إلا أنه إذا لم ينحل العلم الاجمالي إلى علم تفصيلي وشك بدوي، وقد انحل هاهنا، فإنه كما علم بوجود تكاليف إجمالا، كذلك علم إجمالا بثبوت طرق وأصول معتبرة مثبتة لتكاليف بمقدار تلك التكاليف المعلومة أو أزيد، وحينئذ لا علم بتكاليف أخر غير التكاليف الفعلية في الموارد المثبتة من الطرق والأصول العملية.
إن قلت: نعم، لكنه إذا لم يكن العلم بها مسبوقا بالعلم بالتكاليف.
[1]. الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص84-86.
[2]. وسائل الشيعة (آل البيت)، ج27، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، ص167، الحديث 33507/45.
[3]. وسائل الشيعة (آل البيت)، ج27، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، ص161، الحديث 33490/27.
[4]. وسائل الشيعة (آل البيت)، ج27، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، ص169، الحديث 33515/52.
[5]. الميرزا النوري، مستدرك وسائل الشيعة، ج12، الباب 63 من أبواب جهاد النفس، ص52، الحديث 13489/1.
[6]. وسائل الشيعة (آل البيت)، ج27، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، ص162، الحديث 33493/30.
[7]. الآخوند خراسانی، كفاية الاصول، ص 346.