بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پنجاه و شش
قال الشيخ في الرسائل:
الطائفة الثالثة: ما دل علي وجوب الاحتياط وهي كثيرة.
منها:
ما رواه محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، وصفوان بن يحيى جميعا عن عبد الرحمن بن الحجاج قال:
سألت أبا الحسن (عليه السلام ) عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان، الجزاء بينهما ؟ أو على كل واحد منهما جزاء ؟
قال: لا، بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد، قلت: إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه فقال: إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا.
وعن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عبد الرحمن بن الحجاج مثله.
ورواه الشيخ باسناده عن علي بن السندي، عن صفوان مثله. [1]
اما جهة السند فيها:
فإن للكليني فيها طرق ثلاثة:
1 – رواه عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابن ابي عمير وصفوان عن عبدالرحمن.
2 – رواه عن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان عنهما.
3 – رواه عن علي بن ابراهيم عن محمد بن عيسي عن يونس عن عبدالرحمن بن الحجاج.
وهذه الطرق الثلاثة صحيحة علي الاقوي.
اما الاول: فإنه تتم وثاقة علي بن ابراهيم وابراهيم بن هاشم علي الاقوي، وهما من الطبقة الثامنة والسابعة.
فرواه ابراهيم عن ابن ابي عمير وصفوان، ولا شبهة في جلالة قدرهما فضلاً عن وثاقتهما، وهما من الطبقة السادسة.
ورويا الحديث عن عبدالرحمن بن الحجاج البجلي بياع السابري، وثقه النجاشي بالتاكيد بقوله: «ثقة ثقة»، وكذا العلامة وهو من الطبقة الخامسة.
اما الطريق الثاني:
رواه عن محمد بن اسماعيل، والمراد محمد بن اسماعيل النيسابوري، ابوالحسن البندقي، لأنه من روي عنه الكليني بلا واسطة، عن الفضل بن شاذان حسب ما جزم به السيد البروجردي.
وهو ثقة علي الاقوي، فإنه افاد فيه صاحب الوسائل: نقي الحديث ويعده بعض اصحابنا حديثه صحيحاً. ووثقه الشهيد الاول في الذكري. والمهم ان العلامة (قدس سره) قد صحح في المنتهي والمختلف وغيرهما من كتبه ما رواه عن زرارة في مسئلة عدد التسبيحات، وهو في طريقه، وهو من الطبقة الثامنة.
وهو رواه عن الفضل بن شاذان ابن الخليل، وثقه النجاشي والعلامة، وهو من الطبقة السابعة.
وهو رواه عن العلمين الجليلين ابن ابي عمير وصفوان، عن عبدالرحمن بن الحجاج.
اما الطريق الثالث:
فرواه عن علي بن ابراهيم، وهو عن محمد بن عيسي، والمراد محمد بن عيسي بن عبيد اليقطيني، وقد مر تمامية وثاقته، وهو من الطبقة السابعة.
وهو رواه عن يونس، والمراد يونس بن عبدالرحمن، وقد مر انه ثقة، و هومن الطبقة السادسة.
وهو رواه عن عبدالرحمن بن الحجاج.
وأما طريق الشيخ (قدس سره)، وهو ما رواه باسناده عن علي بن السندي. فإن اسناده اليه صحيح في التهذيب.
وأما علي بن السندي، فالظاهر انه لا تنصيص علي وثاقته في كتب الرجال، فإن علي بن السندي الذي روي عن صفوان وابن ابي عمير.
يلزم ان يكون من رجال الرضا (عليه السلام) ومن بعده.
وعليه فلا يتم اتحاده مع علي بن السري الثقة، الذي كان من رجال الصادق (عليه السلام) حسب ما يتوهم و يذكر في بعض نسخ الكشي و غيره.
وعليه فإنه وإن يصح الطرق بالنسبة الي من روي عنه الرجل، وهو صفوان عن عبدالرحمن الحجاج، الا ان المشكل في ثبوت وثاقته.
هذا كله من جهة السند.
اما من جهة الدلالة:
فإنه قد افاد الامام (عليه السلام) في ما وقع فيه الراوي من الشبهة وعدم العلم بما هو الحق في المسألة بقوله: فلم ادر ما عليه:
اذا اُصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط، حتي تسألوا عنه فتعلموا.
اي ان في مثل هذه الشبهة اذا وقعتم، ولم تتمكنوا من الوقوف علي ما هو الحق في المسئلة من الحكم، فعليكم بالاحتياط، وإن هذا الاحتياط هي الوظيفة بالنسبة اليكم حتي يحصل لكم العلم بالحكم.
ولازم هذا ان الحكم عند الشبهة هو الاحتياط والتحفظ علي الواقع بالتحفظ علي المحتملات.
ولا يرد عليه، بأنه كان ذلك مع فرض الحضور وامكان السؤال، وتحصيل العلم.
وذلك، لأن ذلك انما يكون غاية الأمر بالاحتياط، فربما تتحصل هذه الغاية وربما لا تتحصل، وإن الوقوف بالحكم لا تنحصر بالسؤال عن الامام (عليه السلام) بل انه يمكن بالوقوف علي ما بقي منه في الآثار والاصول. فالمهم ان الامام (عليه السلام) انما بيّن لنا بأن في حال التردد والشبهة كانت الوظيفة الاحتياط.
وأورد عليه الشيخ (قدس سره):
«والجواب: اما عن الصحيحة: فبعدم الدلالة، لأن المشار إليه في قوله (عليه السلام): " بمثل هذا " إما نفس واقعة الصيد، وإما أن يكون السؤال عن حكمها.
وعلى الأول: فإن جعلنا المورد من قبيل الشك في التكليف، بمعنى أن وجوب نصف الجزاء على كل واحد متيقن ويشك في وجوب النصف الآخر عليه، فيكون من قبيل وجوب أداء الدين المردد بين الأقل والأكثر وقضاء الفوائت المرددة، والاحتياط في مثل هذا غير لازم بالاتفاق، لأنه شك في الوجوب.
وعلى تقدير قولنا بوجوب الاحتياط في مورد الرواية وأمثاله مما ثبت التكليف فيه في الجملة - لأجل هذه الصحيحة وغيرها - لم يكن ما نحن فيه من الشبهة مماثلا له، لعدم ثبوت التكليف فيه رأسا.
وإن جعلنا المورد من قبيل الشك في متعلق التكليف وهو المكلف به - لكون الأقل على تقدير وجوب الأكثر غير واجب بالاستقلال، نظير وجوب التسليم في الصلاة - فالاحتياط هنا وإن كان مذهب جماعة من المجتهدين أيضا، إلا أن ما نحن فيه من الشبهة الحكمية التحريمية ليس مثلا لمورد الرواية، لأن الشك فيه في أصل التكليف.
هذا، مع أن ظاهر الرواية التمكن من استعلام حكم الواقعة بالسؤال والتعلم فيما بعد، ولا مضايقة عن القول بوجوب الاحتياط في هذه الواقعة الشخصية حتى يتعلم المسألة لما يستقبل من الوقائع.
ومنه يظهر: أنه إن كان المشار إليه ب " هذا " هو السؤال عن حكم الواقعة، كما هو الثاني من شقي الترديد:
فإن أريد بالاحتياط فيه الإفتاء بالاحتياط لم ينفع فيما نحن فيه، وإن أريد من الاحتياط الاحتراز عن الفتوى فيها أصلا حتى بالاحتياط، فكذلك.[2]
[1]. وسائل الشيعة (آل البيت)، ج27، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، ص154، الحديث 33464/1.
[2]. الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص78-79.