بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پنجاه و پنج
وأساس نظر صاحب الكفاية (قدس سره):
1 - ان الأوامر الواردة في الطريق والامارات بل الأصول العملية اوامر طريقية، وهي توجب تنجز التكليف عند وصوله الي المكلف.
2 - ان الاوامر الواردة بلسان الامر بالاحتياط او الوقوف عند الشبهة اوامر طريقية يلزم تنجز التكليف المجهول بها بوصولها الي المكلف.
وعليه، فإنه كما اذا ورد في الخبر لزوم الاجتناب عن ارتكاب فعل خاص فيوجب هو تنجز اللزوم المذكور بالنسبة الي المكلف، فكذلك اذا كان الفعل المذكور يحتمل لزوم الاجتناب عنه، لكونه مشتبهاً بأي جهة، اما من جهة فقد النص او اجماله او تعارض النصين، او من جهة الشبهة في الموضوع، فإن الامر بالتوقف عند الشبهة انما يوجب تنجز لزوم عدم ارتكاب المشتبه والمجهول من الحكم، فإذا خالف يعاقب علي ارتكابه كما يعاقب من عصي الامارة او الطريق.
بلا فرق بين الموردين. وهذا تصوير ثالث يجري في المقام، ولا ينحصر المحتملات فيما تصوره الشيخ (قدس سره) من الوجهين.
هذا ويمكن ان يقال:
ان في كلام الشيخ (قدس سره) جهات تمنعه عن الالتزام بما افاده صاحب الكفاية من الطريق الثالث، وهو الأمر المولوي الطريقي حسب ما صوره.
وذلك:
لأنه قد صرح بأن اوامر الاحتياط لا يتكفل تنجيز الواقع المشتبه حتي يخرج العقاب علي مخالفته من العقاب بلا بيان. وعليه فلا يمكن ان يكون بياناً علي التكليف الواقعي المشتبه كالأوامر الواردة في الطرق والامارات.
وذلك لأن الشيخ (قدس سره) انما تصور بيانية الأمر بالاحتياط في الموارد التي كان للشارع مزيد اهتمام بغرضه، وكان يطلبه من المكلف حال جهله وعدم وصول طلبه اليه كما يطلبه عند وصوله. ففي هذا الحال انما يأمر بالاحتياط تحفظاً لغرضه المجهول الغير الواصل. وقد التزم به صاحب الكفاية، وذكره في موارد من كلامه، وتمثل له بجعل الاحتياط في الموارد الخاصة كالنفوس والدماء والاعراض بل الاموال وامثالها.
فإن الشيخ (قدس سره) كصاحب الكفاية انما يلزم ببيانية الأمر بالاحتياط، وأنه يوجب تنجيز الغرض المجهول عند المكلف غير الواصل اليه.
الا ان في هذا المقام خصوصية، وهي عبارة عن قوة المحتمل ومزّيد اهتمام الآمر به.
كما أن الغرض في هذه الموارد، وإن كان مجهولاً بوجه، الا انه يكون معلوماً بوجه ايضاً، وهو علم المكلف بأن في هذه المشتبهات المرتبط بالأموال غرض خاص لازم الاستيفاء، او بالنفوس، بمعني ان اطراف الشبهة في مورده محدودة لا يلزم من الالتزام به او التحفظ علي الغرض فيه محذور.
فلذا يقال: انه اذا كان للشارع مزيد اهتمام لغرض خاص له بحيث انما يطلبه حتي في حال جهل المكلف به، فحيث انه لا يمكنه طلبه علي نحو المتعارف، من ايصال البيان اليه لبعض الموانع، فإنما يبادر بايصال البيان بجعل الاحتياط، فإن جعل الاحتياط بيان كالايصاله بالطريق والامارة.
هذا مع ان في مثل الامارة والطريق، فإن الشارع بعد ما رأي جهل المكلف بواقعه، وعدم امكان وصوله اليه، فإنه يبادر بجعل الطريق له لادراك الواقع. وانما يتعبد بالطريق ويكتفي به بأنه بيان لأنه كان في مقام محاسبة الاحتمالات اكثر مطابقة مع الواقع، وإن لم يكن دائم المطابقة، فإن كون الطريق غالبها يكفي عنده للتعبد به من جهة البيانية المجوزة للعقاب علي مخالفته والمنجزة علي واقعه. وليس ذلك الا من جهة قوة الاحتمال في ناحية الطريق والامارة.
ولذا ان هذه الجهة يعني قوة احتمال ارائة الواقع لو ثبت في مثل الاستصحاب، وقد التزمنا في مورده بأن تعبد الشارع بتنزيل الشك منزلة اليقين السابق من هذه الجهة في ارائته الواقع، دون حيث بيان الوظيفة العملية الصرفة فيمكن الالتزام به في مورد الاستصحاب، وإن كان ظاهر صاحب الكفاية الالتزام به في مطلق الاصول العملية. وهذا ليس قابلاً للالتزام بوجه علي ما حقق في محله.
وعليه فإن اكتفاء الشارع بالبيانية والمحرزية لواقعه المجهول المصححة لترتب العقاب، انما يكون في موردين قوة المحتمل وقوة الاحتمال، ففي الاول يكون المحتمل ذات اهمية فإنما يطلب الغرض المجهول فيه، وإن كان احتماله ضعيفاً من جهة الطريقية.
وفي الثاني يكون الاحتمال اي احتمال ارائة الواقع قابلاً للتوجه من حيث القوة، وبما ان المكلف لا يتمكن من ادراك الواقع جزماً فإنما يرجح ادراكه ترجيحاً من حيث الطريق.
هذا، ولا يمكن تصوير احد هذين الموردين في المقام، وذلك لأن جميع الاحكام ليست من جهة الاهمية بمثابة يطلبها الشارع حتي في حال جهل المكلف، بل الشارع كساير الموالي العرفية انما يطلب اغراضه في حال وصولها للمكلفين. ويري الجاهل معذوراً في تفويته وما كانت بحيث يطلبها حتي في حال الجهل موارد خاصة.
فلا يتم الأخذ بالأمر بالاحتياط بياناً ووسيلة للتحفظ علي الغرض في جميع الموارد عرفاً وعقلاً، بمعني انه ليس طريق معمولاً متعارفاً.
وعليه فلا قوة في المحتمل في جميع الموارد ليوجب لزوم الاحتياط.
هذا وأما بالنسبة الي قوة الاحتمال في الطريقية الي الواقع، فإن الاحتياط مع غمض العين عن موارد عدم امكانه كدوران الامر بين المحذورين وامثاله، طريق دائم المطابقة مع الواقع، لأن التحفظ علي جميع المحتملات والاحتمالات يوجب عدم تفويت الواقع واستيفائه في جميع الموارد، ولذا يفترق مع جميع الطرق والامارات في ارائة الواقع، فإنه طريق الي الواقع، ومحصل له من غير احتمال الخلاف، الا انه قد مر ان المشكل فيه امران:
1 - ان طريق الاحتياط لا يتمكن من ارائه الواقع بعنوانه، بل يوجب التحفظ عليه في ضمن المحتملات.
2 – عدم امكان الالتزام به في جميع الشبهات، لاستلزامه العسر والحرج، او اختلال النظام بالمستلزم لعدم وجوبه، بل عدم جوازه، وهذا ما مر بحثه في انسداد باب العلم، حيث ان قضية الانسداد تتوقف علي عدم وجوب الاحتياط بل عدم جوازه.
والشيخ (قدس سره) وإن قرر هذا الاشكال في المقام من الوجوه غير الناهضة، الا انه قد مر ان الاشكال المزبور اشكال قوي جار في المقام.
وعمدة نظر الشيخ (قدس سره) في عدم ورود الاشكال في المقام، ان جريان الاحتياط في المقام يختص بالشبهات التحريمية، والالتزام به فيها لا يستلزم العسر المنفي في الشريعة.
وهذا وإن كان له وجه في الجملة، الا ان الكلام في اساس هذا الالتزام، فإن الأمر بالاحتياط لو كان طريقاً الي الواقع، ومصححاً للعقوبة علي تفويته حال الجهل به، فيلزم ان يكون طريقاً اليه في جميع الشبهات، بلا فرق بينهما من جهة كونها حكمية او موضوعية، وجوبية وتحريمية، لعدم وجاهة الفرق بينهما، وذلك لأنه لو كان النظر الي كونه مصححاً للعقوبة علي الواقع المجهول، فإن الواقع المجهول كما يمكن تفويته في الشبهات التحريمية، كذلك في الشبهات الوجوبية، وكذا في الشبهات الموضوعية.
وإذا كان النظر الي حيثية ارائته الواقع، كما هو الحال في الامارات والطرق، فلا فرق فيه ايضاً بين انحاء الشبهات، فإنه يوجب التحفظ علي الواقع، وعدم تفويته في جميع الموارد.
ولذلك نري ان الشيخ (قدس سره) قد صرح بأنه لو دار الأمر بين حمل اوامر الاحتياط علي الارشاد، وحملها علي المولوية بطريقية – حسب ما صورهما الشيخ (قدس سره) في دفع ما اورده علي نفسه - لكان الحمل علي الارشاد اولي، وذلك لاستلزامه الالتزام بالمولوية تخصيص هذه الاوامر باخراج الشبهة الوجوبية والموضوعية.
وهذا وإن افاده الشيخ في مقام ترجيح ما اختاره من الحمل علي الارشاد، الا انه يبتني علي امر مهم واقعي، وهو عدم امكان الالتزام بكون هذه الاوامر طريقية، حسب ما صوره الاخوند في الكفاية، ووجهه اباء هذه الأوامر والادلة الدالة عليها من التخصيص، كما لا يمكن تصوير تخصيص ما دل علي الطرق والامارات، بل الاصول العلمية ـ علي مدعي صاحب الكفاية ـ وخصوص الاستصحاب علي ما قررناه.
قال الشيخ في الرسائل:
الطائفة الثالثة: ما دل علي وجوب الاحتياط وهي كثيرة.
منها:
ما رواه محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، وصفوان بن يحيى جميعا عن عبد الرحمن بن الحجاج قال:
سألت أبا الحسن (عليه السلام ) عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان، الجزاء بينهما ؟ أو على كل واحد منهما جزاء ؟
قال: لا، بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد، قلت: إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه فقال: إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا.
وعن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عبد الرحمن بن الحجاج مثله.
ورواه الشيخ باسناده عن علي بن السندي، عن صفوان مثله. [1]
اما جهة السند فيها:
فإن للكليني فيها طرق ثلاثة:
1 – رواه عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابن ابي عمير وصفوان عن عبدالرحمن.
2 – رواه عن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان عنهما.
3 – رواه عن علي بن ابراهيم عن محمد بن عيسي عن يونس عن عبدالرحمن بن الحجاج.
وهذه الطرق الثلاثة صحيحة علي الاقوي.
اما الاول: فإنه تتم وثاقة علي بن ابراهيم وابراهيم بن هاشم علي الاقوي، وهما من الطبقة الثامنة والسابعة.
فرواه ابراهيم عن ابن ابي عمير وصفوان، ولا شبهة في جلالة قدرهما فضلاً عن وثاقتهما، وهما من الطبقة السادسة.
ورويا الحديث عن عبدالرحمن بن الحجاج البجلي بياع السابري، وثقه النجاشي بالتاكيد بقوله: «ثقة ثقة»، وكذا العلامة وهو من الطبقة الخامسة.
اما الطريق الثاني:
رواه عن محمد بن اسماعيل، والمراد محمد بن اسماعيل النيسابوري، ابوالحسن البندقي، لأنه من روي عنه الكليني بلا واسطة، عن الفضل بن شاذان حسب ما جزم به السيد البروجردي.
وهو ثقة علي الاقوي، فإنه افاد فيه صاحب الوسائل: نقي الحديث ويعده بعض اصحابنا حديثه صحيحاً. ووثقه الشهيد الاول في الذكري. والمهم ان العلامة (قدس سره) قد صحح في المنتهي والمختلف وغيرهما من كتبه ما رواه عن زرارة في مسئلة عدد التسبيحات، وهو في طريقه، وهو من الطبقة الثامنة.
وهو رواه عن الفضل بن شاذان ابن الخليل، وثقه النجاشي والعلامة، وهو من الطبقة السابعة.
وهو رواه عن العلمين الجليلين ابن ابي عمير وصفوان، عن عبدالرحمن بن الحجاج.
[1]. وسائل الشيعة (آل البيت)، ج27، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، ص154، الحديث 33464/1.