بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بيست و هشت
وتبعه المحقق العراقي (قدس سره) في ذلك وأفاد
«واما الاشكال عليه بان عدم المنع عن الفعل لا يكون من الأمور المجعولة حتى يجري فيه استصحابه.
فمندفع بما مر منا مرارا من كفاية مجرد كون الشئ مما أمر رفعه ووضعه بيد الشارع في مجعوليته. ولا ريب في أن للشارع إبقاء عدم المنع السابق على حاله كما كان له رفعه بإحداث المنع عنه فإذا حكم الشارع بمقتضى الاستصحاب ببقاء عدم المنع السابق ظاهرا يترتب عليه جميع لوازمه التي منها الاذن في الارتكاب وعدم استحقاق العقوبة، لأنها من اللوازم العقلية المترتبة على الأعم من الواقع والظاهر، نظير وجوب الإطاعة وحرمة المعصية المترتبتين على مطلق التكليف الشرعي ولو ظاهرا، من غير فرق في ذلك بين القول باعتبار الاستصحاب من باب الظن، أو من باب التعبد بمقتضى الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك»[1]
وظاهر محصل كلماتهما: ان التكليف بيد الشارع اثباتاً ونفياً، فيمكن اعتبار الشارع عدم المنع، كما يمكن اعتباره المنع. وإن له ابقاء عدم المنع السابق علي حاله، كما ان له رفعه بإحداث المنع عنه، فلا محذور في استصحاب عدم المنع من الفعل وامثاله، كما استظهر صاحب الكفاية (قدس سره) من كلام الشيخ (قدس سره).
وقال السيد الخوئي:
« أورد على هذا التقريب– وهو استصحاب عدم التكليف الفعلي المتيقن قبل البلوغ ـ بوجوه: الوجه الأول: انه يعتبر في الاستصحاب ان يكون المستصحب بنفسه أو بأثره مجعولا شرعيا، ويكون وضعه ورفعه بيد الشارع، وعدم التكليف أزلي غير قابل للجعل، وليس له اثر شرعي فان عدم العقاب من لوازمه العقلية، فلا يجري فيه الاستصحاب.
ونسب صاحب الكفاية (ره) في التنبيه الثامن من تنبيهات الاستصحاب هذا الايراد إلى الشيخ (ره).
أقول: اما نسبة هذا الايراد إلى الشيخ (ره) فالظاهر أنها غير مطابقة للواقع، لان الشيخ (ره) قائل بجريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية، كما صرح بذلك في عدة موارد من الرسائل و المكاسب، وذكر أيضا - في جملة التفصيلات في جريان الاستصحاب - التفصيل بين الوجود والعدم، ورده بأنه لا فرق في جريان الاستصحاب بين الوجود والعدم.
وبالجملة: الشيخ وان كان قائلا بعدم صحة الاستدلال على البراءة بالاستصحاب، إلا أنه ليس لأجل هذا الايراد الذي ذكره صاحب الكفاية (ره) ونسبه إليه. وسيجئ بيان ايراد الشيخ (رحمه الله) على الاستصحاب المذكور قريبا إن شاء الله تعالى.»[2]
ويظهر مما افاده (قدس سره) عدم تمامية نسبة صاحب الكفاية الي الشيخ القول بعدم جريان الاستصحاب في الأعدام. وانما اكتفي فيما يشتمل علي النسبة المذكورة بما افاده صاحب الكفاية في التنبيه الثامن من تنبيهات الاستصحاب، مع انه (قدس سره) صرح بهذه النسبة في حاشيته علي الرسائل في نفس البحث وقد مر نقل كلامه (قدس سره) هنا.
وبالجملة، فإن ما افاده في التنبيه الثامن قوله في ذيل التنبيه:
« وكذا لا تفاوت في المستصحب أو المترتب بين أن يكون ثبوت الأثر ووجوده، أو نفيه وعدمه، ضرورة أن أمر نفيه بيد الشارع كثبوته، وعدم إطلاق الحكم على عدمه غير ضائر، إذ ليس هناك ما دل على اعتباره بعد صدق نقض اليقين بالشك برفع اليد عنه كصدقه برفعها من طرف ثبوته كما هو واضح.
فلا وجه للاشكال في الاستدلال على البراءة باستصحاب البراءة من التكليف، وعدم المنع عن الفعل بما في الرسالة، من أن عدم استحقاق العقاب في الآخرة ليس من اللوازم المجعولة الشرعية، فإن عدم استحقاق العقوبة وإن كان غير مجعول، إلا أنه لا حاجة إلى ترتيب أثر مجعول في استصحاب عدم المنع، وترتب عدم الاستحقاق مع كونه عقليا على استصحابه، إنما هو لكونه لازم مطلق عدم المنع ولو في الظاهر، فتأمل.»[3]
وفي نفس التنبيه اكد صاحب الكفاية في مقام الاشكال علي الشيخ القائل بأن استصحاب الشرط او المانع لترتيب الشرطية والمانعية مثبت، لأن الشرطية والمانعية ليست من الآثار الشرعية، بل من الأمور الانتزاعية، بناءً علي ما اختاره من المبني في الاحكام الوصفية. – في القول السابع في الاستصحاب –
فقال:
« الثامن: إنه لا تفاوت في الأثر المترتب على المستصحب، بين أن يكون مترتبا عليه بلا وساطة شئ، أو بوساطة عنوان كلي ينطبق ويحمل عليه بالحمل الشائع ويتحد معه وجودا، كان منتزعا عن مرتبة ذاته، أو بملاحظة بعض عوارضه مما هو خارج المحمول لا بالضميمة، فإن الأثر في الصورتين إنما يكون له حقيقة، حيث لا يكون بحذاء ذلك الكلي في الخارج سواه،. لغيره مما كان مباينا معه، أو من أعراضه مما كان محمولا عليه بالضميمة كسواده مثلا أو بياضه، وذلك لان الطبيعي إنما يوجد بعين وجود فرده، كما أن العرضي كالملكية والغصبية ونحوهما لا وجود له إلا بمعنى وجود منشأ انتزاعه، فالفرد أو منشأ الانتزاع في الخارج هو عين ما رتب عليه الأثر، لا شئ آخر، فاستصحابه لترتيبه لا يكون بمثبت كما توهم ـ والظاهر انه اشار الي ما افاده الشيخ في الامر السادس من التنبيهات الاستصحاب ـ.
وكذا لا تفاوت في الأثر المستصحب أو المترتب عليه، بين أن يكون مجعولا شرعا بنفسه كالتكليف وبعض أنحاء الوضع، أو بمنشأ انتزاعه كبعض أنحائه كالجزئية والشرطية والمانعية، فإنه أيضا مما تناله يد الجعل شرعا ويكون أمره بيد الشارع وضعا ورفعا ولو بوضع منشأ انتزاعه ورفعه.
ولا وجه لاعتبار أن يكون المترتب أو المستصحب مجعولا مستقلا كما لا يخفى، فليس استصحاب الشرط أو المانع لترتيب الشرطية أو المانعية بمثبت، كما ربما توهم بتخيل أن الشرطية أو المانعية ليست من الآثار الشرعية، بل من الأمور الانتزاعية، فافهم.»[4]
والظاهر تمامية ايراد السيد الخوئي (قدس سره) علي صاحب الكفاية فيما نسبه الي الشيخ (قدس سره) من ان اساس اشكال الشيخ هو عدم كون العدم قابلاً للجعل لعدم كونه مقدوراً. وذلك لأنه لو كان مستند صاحب الكفاية في ذلك ما افاده الشيخ (قدس سره) في المقام، فإن له ايرادان علي استصحاب البرائة قبل البلوغ.
1 - ان الثابت بالاخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك ترتب اللوازم المجعولة الشرعية علي المستصحب.
والمستصحب في المقام اما برائة الذمة من التكليف، وعدم المنع من الفعل، وعدم استحقاق العقاب.
والمطلوب في الآن اللاحق هو القطع بعدم ترتب العقاب علي الفعل، او ما يستلزم ذلك دون الشك في ذلك، واحتمال عدم ترتب العقاب.
وذلك، لأنه لو لم يقطع بعدم العقاب، فإنه محتمل ومشكوك، ومع الشك في العقاب فإنما تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان، من دون حاجة الي الاستصحاب وملاحظة الحالة السابقة.
وأما القطع بعدم استحقاق العقاب فلا يمكن ترتبه علي المستصحبات المذكورة، لأن عدم استحقاق العقاب في الآخرة ليس من اللوازم المجعولة حتي يحكم به الشارع في الظاهر.
ولا يتم القول بأن المستصحبات المذكورة انما يترتب عليها امر آخر وهو الاذن والترخيص في الفعل، وهو امر قابل للجعل، ويستلزم انتفاء العقاب واقعاً.
وذلك: لأن الاذن والترخيص ليس لازماً لعدم المنع عن الفعل، بل هو من مقارناته.
وذلك: لأنه بعد العلم الاجمالي بعدم خلو فعل المكلف عن احد الاحكام الخمسة، فإن عدم المنع من الفعل يقتضي كون الفعل مرخصاً عنه، فلا ينفك الترخيص عن عدم المنع من الفعل كعدم انفكاك احد الضدين عن عدم الاخر. فاثبات الترخيص بعدم المنع من الفعل نظير اثبات وجود احد الضدين بنفي الاخر.
[1] . الشيخ محمد تقي البروجردي، نهاية الافكار تقرير بحث المحقق ضياء الدين العراقي، ج3، ص239-240.
[2] . البهسودي، مصباح الاصول تقرير البحث السيد الخوئي، ج2، ص292.
[3] . الآخوند خراسانی، كفاية الاصول، ص 417.
[4] . الآخوند خراسانی، كفاية الاصول، ص 416-417.