بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد وهشت
ثم ان هنا امور يلزم التنبيه عليه
الاول: ان رفع العناوين المذكورة في حديث الرفع واقعي او ظاهري؟
قال السيد الخوئي(قدس سره)
«ان الرفع في الحديث قد تعلق بأمور تسعة، ونسبة الرفع إلى هذه الأمور وإن كانت واحدة بحسب السناد الكلامي، إلا انها متعددة بحسب اللب والتحليل، وتختلف باختلاف هذه الأمور التسعة، لأن الرفع بالنسبة إلى ما لا يعلمون ظاهري لا واقعي، وذلك لقرينة داخلية، وقرينة خارجية تقدم بيانهما عند ذكر تقريب الاستدلال بالحديث الشريف، فلا نعيد. هذا كله في الشبهات الحكمية»[1]
وقال هناك:
«وتقريب الاستدلال به أن الالزام المحتمل من الوجوب أو الحرمة مما لا يعلم فهو مرفوع بمقتضى الحديث الشريف، والمراد من الرفع هو الرفع في مرحلة الظاهر لا الرفع في الواقع ليستلزم التصويب، وذلك للقرينة الداخلية والخارجية.
أما القرينة الداخلية التي قد يعبر عنها بمناسبة الحكم والموضوع فهي أن نفس التعبير بما لا يعلم يدل على أن في الواقع شيئا لا نعلمه، إذ الشك في شئ والجهل به فرح وجوده، ولو كان المرفوع وجوده الواقعي بمجرد الجهل به لكان الجهل به مساوقا للعلم بعدمه كما هو ظاهر.
وأما القرينة الخارجية فهي الآيات والروايات الكثيرة الدالة على اشتراك الأحكام الواقعية بين العالم والجاهل.
وإن شئت فعبر عن القرينة الخارجية بقاعدة الاشتراك. فإنها من ضروريات المذهب، وأيضا لا إشكال في حسن الاحتياط ولو كان المراد من الرفع هو الرفع الواقعي لم يبق مورد للاحتياط كما هو ظاهر، فيكون المراد من الحديث أن الالزام المحتمل من الوجوب أو الحرمة مرفوع ظاهرا، ولو كان ثابتا في الواقع، فان الحكم الشرعي - واقعيا كان أو ظاهريا - أمر وضعه ورفعه بيد الشارع. ولا تنافي بين الترخيص الظاهري والالزام الواقعي، على ما تقدم بيانه في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي. ولعل هذا هو مراد صاحب الكفاية (ره) من قوله: «فالالزام المجهول مما لا يعلمون، فهو مرفوع فعلا وإن كان ثابتا واقعا»، فالمقصود من الفعلية في كلامه هو حال الشك لا الفعلية الاصطلاحية في مقابل الانشائية، لان فعلية الحكم بهذا المعنى تابعة لفعلية موضوعه، فمع تحقق الموضوع لا يعقل رفع الحكم في مقام الفعلية مع بقائه في مقام الجعل والانشاء.»[2]
ثم افاد (قدس سره)
«وكذا الحال في الشبهات الموضوعية، فان جعل الحكم لموضوع مع اعتبار العلم به، بحيث كان الحكم منتفيا واقعا مع الجهل بالموضوع، وإن كان بمكان من الامكان، ولا يلزم منه محذور التصويب كما لزم في الشبهة الحكمية، إلا ان مقتضى إطلاقات الأدلة ثبوت الحكم مع العلم بالموضوع والجهل به. وعليه فكان رفع الحكم مع الجهل بالموضوع بمقتضى الحديث الشريف أيضا رفعا ظاهريا، كما في الشبهة الحكمية.
وأما الرفع في بقية الفقرات فهو واقعي. ويترتب على هذا الفرق ثمرة مهمة، وهي انه إذا عثرنا على الدليل المثبت للتكليف بعد العمل بحديث الرفع، يستكشف به ثبوت الحكم الواقعي من أول الامر. مثلا إذا شككنا في جزئية شئ أو شرطيته للصلاة، وبنينا على عدمها لحديث الرفع، ثم بان لنا الخلاف ودل دليل على الجزئية أو الشرطية، لا يجوز الاكتفاء بالفاقد من ناحية حديث الرفع بل لا بد من التماس دليل آخر كحديث لا تعاد في خصوص الصلاة، أو ثبوت الاجزاء في الامر الظاهري وهذا بخلاف باقي الفقرات فان الرفع فيها واقعي، فلو ارتفع الاضطرار أو الاكراه مثلا تبدل الحكم من حين الارتفاع ، ويجزي المأتي به حال الاضطرار أو الاكراه.»[3]
واورد عليه سيدنا الاستاذ (قدس سره)
«وتحقيق الحال في مفاد الحديث: أنه يمكن الالتزام بان الرفع فيما لا يعلمون رفع واقعي كالرفع في سائر الفقرات المذكورة في الحديث، بمعنى: ان الحديث يكون متكفلا لبيان ارتفاع الحكم الفعلي عند عدم العلم، فلا يكون من أخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه كي يكون محالا، كما لا يكون من إناطة الواقع بقيام الامارة كي يكون تصويبا مجمعا على بطلانه.
وأما ما ادعي من وجود الأخبار المتواترة الدالة على أن الاحكام مشتركة بين العالم والجاهل. فليس له في الاخبار عين ولا أثر، وما يستظهر منه ذلك يختص بموارد الشبهات الموضوعية. اذن فلا محذور في الالتزام بان الرفع واقعي، فالحكم مرتفع واقعا عند الجهل به، ولا موجب للالتزام بان الرفع ظاهري كما عليه الاعلام ( رحمهم الله ).
وبعض منهم - كالشيخ- قد التزم في مقام الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري: بان الحكم الواقعي ليس بفعلي وانما هو انشائي أو شأني أو غير ذلك من التعبيرات.
ولكنهم ههنا يلتزمون بان الرفع ظاهري وهو بلا ملزم.
وعليه، فما نقربه ليس خرقا لاجماع أو مناهضة لضرورة. نعم الذي يوقعنا عن الجزم بهذا الامر هو ان المتيقن من الحديث هو إرادة الشبهة الموضوعية.»[4]
[1] . البهسودي، مصباح الأصول تقرير البحث السيد الخوئي، ج2، ص265.
[2] . البهسودي، مصباح الأصول تقرير البحث السيد الخوئي، ج2، ص257-258.
[3] . البهسودي، مصباح الأصول تقرير البحث السيد الخوئي، ج2، ص265.
[4] . الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج 4، ص386-387.