بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد و چهار
واستدل لما ذهب اليه المشهور بوجوه:
الاول: السيرة المستمرة في جميع الاعصار على عدم البسط.
الثاني: صحيحة البزنطي السابقة عن الرضا (عليه السلام).
وهي ما رواه محمد بن يعقوب عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن الرضا (عليه السلام) قال:
«سئل عن قول الله عز وجل: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) فقيل له: فما كان لله فلمن هو؟ فقال : لرسول الله صلى الله عليه وآله، وما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو للإمام، فقيل له: أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقل ما يصنع به؟ قال: ذاك إلى الإمام، أرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف يصنع أليس إنما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الامام.
ووراه الحميري في قرب الاسناد عن احمد بن محمد بن عيسى نحوه.»[1]
فان مفاد الصحيحة عدم وجوب التسوية بين الاصناف، بل جواز صرف الخمس للامام(عليه السلام) حسب ما يراه من المصلحة كما فعل ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فهي تدل على عدم التشريك والتسهيم، وان المذكور في الآية من الاصناف انما هو بيان المصارف الذي على الامام صرف الخمس فيها بما يشاء.
واورد على الاستدلال بالصحيحة السيد الحكيم في المستمسك:
« لكن دلالة الصحيح لا تخلو عن مناقشة ، إذ ظاهره السؤال عن لزوم مساواة السهام وعدمه ، لا جواز الحرمان وعدمه . مع أن مورده صورة اختلاف أفراد ذوي السهام كثرة وقلة لا مطلقا . مع أن إيكال الأمر إلى الإمام لا يرتبط بما نحن فيه ، لأن الإمام له ما يزيد على كفايتهم وعليه ما ينقص عنها ، فيمكن له حينئذ أن لا يساوي بين السهام مع اختلاف ذويها ، فلا يصلح الصحيح لاثبات ذلك لغيره .»[2]
ويظهر من السيد الخوئي (قدس سره) اختصاص الصحيحة بولي الامر الذي تجتمع عنده الاخماس كالنبي (صلى الله عليه وآله) والامام (عليه السلام) او نائبه الخاص او العام حيث ان مدلوله ان امر تقسيم الخمس الى النبي والامام وانه انما يعطي حسب ما يرى.
وظاهره عدم دلالة الصحيحة على عدم وجوب البسط بالنسبة الى الاشخاص الذين وجب عليهم الخمس واراده دفعه بايديهم الى مصارفه.
ويمكن ان يقال:
ان بالنسبة الى ما افاده السيد الحكيم (قدس سره) من ان الظاهر ان السؤال كان عن لزوم مساواة السهام وعدمه لا جواز الحرمان وعدمه، فيمكن ان يلاحظ فيه ان قوله (عليه السلام) في ذيل الصحيحة: «أرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف يصنع، اليس انما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الامام (عليه السلام)» ظاهر في جواز صرفه في صنف دون صنف وهو ظاهر لو لم يكن صريحاً في جواز الحرمان دون عدم التسوية بين الاصناف فقط.
واما بالنسبة الى ما افاده من ان ذلك يختص بالامام فهو في محله والاولى ان يقال باختصاصه بمن يجتمع عنده الخمس سواء كان الامام (عليه السلام) او نائبه الخاص او العام.
والاصناف الثلاثة من السادة لو قلنا بلزوم صرف الخمس فيهم بالاستيذان من الامام او من يتولى الامر بامره (عليه السلام)، فلا اشكال، واما مع القول بان نصف الخمس من يتعلق بالاصناف الثلاثة، جاز للمكلف دفعه من غير استيذان، فربما يشكل الاستدلال بالصحيحة.
الا ان يقال: ان الصحيحة في مقام بيان ان ارباب الاسهم الثلاثة ليسوا شريكا للامام في صرف الخمس، هذه الاصناف مصرف للخمس صرفاً، ولذا قال ان اختيار الصرف فيهم كان بيد الامام (عليه السلام) لانه هو من يتولى الامر في دفع الخمس الى مصارفه. ولكن هذا يحتاج الى بيان سياتي تفصيله في الوجه الاتي من وجوه الاستدلال على عدم وجوب البسط.
الثالث:
قال السيد الخوئي (قدس سره):
«أن الآية المباركة وإن تضمنت تقسيم الخمس على ستة أقسام إلا أن وجوب البسط على الأصناف الثلاثة من النصف الآخر - اليتيم والمسكين وابن السبيل - يتوقف على ظهورها في ملكية كل صنف من هذه الأصناف بحيث يكون الطبيعي من كل صنف مالكا لسدس المجموع حتى يجب التوزيع من باب وجوب ايصال المال إلى مالكه.
أما لو كان المالك هو الطبيعي الجامع بين هذه الأصناف وكانت هي مصارف لذلك الطبيعي بحيث يكون الصرف في كل منهما ايصالا لذلك الجامع فلا وجه لوجوب البسط عندئذ. والظاهر من الآية المباركة هو الثاني لقرينتين تمنعان عن الأخذ بالأول.
إحداهما أن من تلك الأصناف ابن السبيل ولا ينبغي الشك في قلة وجوده بالنسبة إلى الصنفين الآخرين بل قد لا يوجد أحيانا فهو نادر التحقق. ولازم القول بالملكية تخصيص سدس المغنم من كل مكلف - لوضوح كون الحكم انحلاليا - لهذا الفرد الشاذ النادر الذي ربما لا يوجد له مصداق بتاتا فيدخر له إلى أن يوجد، وهو كما ترى بخلاف ما لو كان مصرفا وكان المالك هو الطبيعي الجامع كما لا يخفى.
ثانيتهما وهي أوضح وأقوى أن الآية المباركة دالة على الاستغراق لجميع أفراد اليتامى والمساكين بمقتضى الجمع المحلى باللام المفيد للعموم.
وعليه فكيف يمكن الالتزام باستغراق البسط لآحاد الأفراد من تلك الأصناف بحيث لو قسم على بعض دون بعض يضمن للآخرين، فإن هذا مقطوع العدم ومخالف للسيرة القطعية القائمة على الاقتصار على يتامى البلد ومساكينهم، بل قد وقع الكلام في جواز النقل وعدمه مع الضمان أو بدونه كما سيجئ إن شاء الله تعالى.
وأما جواز الصرف في خصوص البلد فمما لا اشكال فيه، وقد جرت عليه السيرة. ومن البديهي أن كلمة اليتامى مثلا لا يراد بها يتامى البلد فقط، فهذه قرينة قطعية على عدم إرادة الملك وأن الموارد الثلاثة مصارف محضة، ومن الواضح أن جعل الخمس لهم إنما هو بمناط القرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله عوضا عن الزكاة المحرمة عليهم، ومرجع ذلك إلى أن النصف من الخمس ملك لجامع بني هاشم والقرابة المحتاجين من اليتامى والمساكين وأبناء السبيل فالمالك إنما هو هذا الجامع الكلي القابل للانطباق على كل فرد فرد.
وعليه فأفراد هذه الأصناف كنفسها مصارف للخمس لأن الكلي قابل للانطباق على كل فرد فيجوز الدفع إليه كما كان هو الحال في مصارف الزكاة الثمانية وإن كان الأمر فيها أوضح، فيتم التحفظ على الاستغراق بعد عدم ظهور شئ من الأدلة في كون الجعل بعنوان الملكية، بالرغم من ظهور اللام فيها، فترفع اليد عنه ويحمل على المصرفية ومقتضاه عدم وجوب البسط على الأصناف، فضلا عن الأفراد لقصور الجعل من الأول وعدم الدليل على الاستيعاب. ...
وعلى الجملة، بعد ما عرفت من السيرة القائمة على عدم البسط ومن وضوح ندرة ابن السبيل في كل بلد، بل انتفاء وجوده أحيانا كما أن اليتيم أقل وجودا من المسكين بالضرورة. إذا فالتسوية بين العناوين الثلاثة بالتقسيم على سبيل التثليث لعلها مقطوعة العدم لعدم احتمال التعادل بين حصصهم بعد الاختلاف المزبور. الي أن قال
أضف إلى ذلك كله أن الخطاب في الآية الشريفة لما كان متوجها إلى آحاد المكلفين كل بالنسبة إلى ما غنمه فالحكم طبعا مما يبتلى به كثيرا، وعليه فلو وجب البسط لظهر وبان وشاع وذاع بل أصبح من الواضحات فكيف ذهب المشهور إلى عدم الوجوب حسبما عرفت.»[3]
وما افاده (قدس سره) تام وان ذكر الاصناف لا يمكن ان يكون لجهة شراكتهم مع الامام (عليه السلام) بالنسبة كما حققه (قدس سره) تفصيلاً .
وقد مر من السيد البروجردي (قدس سره).
[1] وسائل الشيعة(آل البيت)، ج9، الباب 2 من ابواب قسمة الخمس، ص519، الحديث12620/1.
[2] السيد محسن الحكيم، المستمسك العروة، ج9، ص579.
[3] السيد الخوئي، كتاب الخمس، ص313-316.