درس خارج اصول المقصد السابع في الأصول العملية جلسه چهل و يك
بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه چهل و يك
هذا بالنسبة الادلة العلمية، واما بالنسبة الي الادلة الغير العلمية ونسبة الاصل اليها فافاد:
«ويمكن أن يكون هذا الاطلاق على الحقيقة بالنسبة إلى الأدلة الغير العلمية، بأن يقال: إن مؤدى أصل البراءة - مثلا -: أنه إذا لم يعلم حرمة شرب التتن فهو غير محرم، وهذا عام، ومفاد الدليل الدال على اعتبار تلك الأمارة الغير العلمية المقابلة للأصل: أنه إذا قام تلك الأمارة الغير العلمية على حرمة الشئ الفلاني فهو حرام، وهذا أخص من دليل أصل البراءة مثلا، فيخرج به عنه. وكون دليل تلك الأمارة أعم من وجه - باعتبار شموله لغير مورد أصل البراءة - لا ينفع بعد قيام الإجماع على عدم الفرق في اعتبار تلك الأمارة بين مواردها.
توضيح ذلك: أن كون الدليل رافعا لموضوع الأصل - وهو الشك - إنما يصح في الدليل العلمي، حيث إن وجوده يخرج حكم الواقعة عن كونه مشكوكا فيه، وأما الدليل الغير العلمي فهو بنفسه غير رافع لموضوع الأصل وهو عدم العلم. وأما الدليل الدال على اعتباره فهو وإن كان علميا، إلا أنه لا يفيد إلا حكما ظاهريا نظير مفاد الأصل، إذ المراد بالحكم الظاهري ما ثبت لفعل المكلف بملاحظة الجهل بحكمه الواقعي الثابت له من دون مدخلية العلم والجهل،... الي ان قال:
فإذا كان مفاد الأصل ثبوت الإباحة للفعل الغير المعلوم الحرمة ومفاد دليل تلك الأمارة ثبوت الحرمة للفعل المظنون الحرمة، كانا متعارضين لا محالة، فإذا بني على العمل بتلك الأمارة كان فيه خروج عن عموم الأصل وتخصيص له لا محالة. هذا، ولكن التحقيق: أن دليل تلك الأمارة وإن لم يكن كالدليل العلمي رافعا لموضوع الأصل، إلا أنه نزل شرعا منزلة الرافع، فهو حاكم على الأصل لا مخصص له، كما سيتضح إن شاء الله تعالى. على: أن ذلك إنما يتم بالنسبة إلى الأدلة الشرعية.» [1]
وافاد الشيخ في مباحث التعادل والترجيح: «والدليل المفروض: إن كان بنفسه يفيد العلم صار المحصل له عالما بحكم العصير، فلا يقتضي الأصل حليته، لأنه إنما اقتضى حلية مجهول الحكم، فالحكم بالحرمة ليس طرحا للأصل، بل هو بنفسه غير جار وغير مقتض، لأن موضوعه مجهول الحكم. وإن كان بنفسه لا يفيد العلم، بل هو محتمل الخلاف، لكن ثبت اعتباره بدليل علمي: فإن كان الأصل مما كان مؤداه بحكم العقل - كأصالة البراءة العقلية، والاحتياط والتخيير العقليين - فالدليل أيضا وارد عليه ورافع لموضوعه، لأن موضوع الأول عدم البيان، وموضوع الثاني احتمال العقاب، ومورد الثالث عدم المرجح لأحد طرفي التخيير، وكل ذلك يرتفع بالدليل العلمي المذكور. وإن كان مؤداه من المجعولات الشرعية - كالاستصحاب ونحوه - كان ذلك الدليل حاكما على الأصل، بمعنى: أنه يحكم عليه بخروج مورده عن مجرى الأصل، فالدليل العلمي المذكور وإن لم يرفع موضوعه - أعني الشك - إلا أنه يرفع حكم الشك، أعني الاستصحاب... الي ان قال:
فنقول: قد جعل الشارع – مثلا - للشئ المحتمل للحل والحرمة حكما شرعيا أعني: " الحل "، ثم حكم بأن الأمارة الفلانية - كخبر العادل الدال على حرمة العصير - حجة، بمعنى أنه لا يعبأ باحتمال مخالفة مؤداه للواقع، فاحتمال حلية العصير المخالف للأمارة بمنزلة العدم، لا يترتب عليه حكم شرعي كان يترتب عليه لولا هذه الأمارة، وهو ما ذكرنا: من الحكم بالحلية الظاهرية. فمؤدى الأمارات بحكم الشارع كالمعلوم، لا يترتب عليه الأحكام الشرعية المجعولة للمجهولات....»[2]
وحاصل ما افاده (قدس سره) في الموصغين تحقيق النسبة بين الامارات والاصول العملية فانه بين ان النسبة بينهما نسبة المعارضة. لاستنلزمها بقاء الدليلين في الاقتضاء حال المعارضة. فان الامارات وان تفييد العلم وطبعاً لاتفيد الحكم الواقعي حقيقة الا انه بما ان الشرع نزلها الواقع، بجعل احتمال الخلاف فيها كالعدم فانما يفيد الحكم ولو ظاهرياً في موارد قيامها. فيرفع حكم الشك تبعداً وان كان الشك في الحكم الواقعي باقياً بحاله تعبداً.
واما الاصول فمقتضاها جعل الحكم في موضوع الشك فلامحاله تكون النسبة بين الامارات والاصول نسبة الحاكم الي المحكوم دون التخصيص لانه فرع المعارضة ولامعارضة بينهما.
والنسبة مبتها وبين الاصول العقلية الورود لان موضوع الاصول العقلية عدم البيان في البرائة واحتمال العقاب في الاشتغال وعدم المرجح والامارات مقتضاها بثبوت البيان ورفع احتمال العقاب وثبوت الرجح تعبداً.
وهذه النسبة هي ما التزم بها المحقق النائيني (قدس سره) نفسه في المقام قال (قدس سره):
«... و وجه التنافی بینها و بین الاصول انما هو لمکان انه لا یجتمع احراز المودی فی مورد الشک فیه مع اعمال الوظیفه المقرره لحال الشک اذا کانت الوظیفه المقرره علی خلاف مودی الاماره، و رفع التنافی بینهما انما هو لحکومه الامارات علی الاصول و سیاتی تفصیل ذلک (ان شاء الله تعالی) فی اخر الاستصحاب و إجماله: هو أنّ الأمارات إنّما تكون رافعة للشك الّذي أخذ موضوعا في الأصول العملية، لا رفعا وجدانيا بنفس التعبد بالأمارة، بل رفعا تعبديا بثبوت المتعبد به»[3]
[1]. الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج 2، ص 11-13.
[2]. الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج4، ص12-14.
[3]. محمد حسين نائيني، فوائد الاصول، ج3ٍ، ص 326و327.