بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و ده
قال في الكفاية:
«فصل. قد اشتهر الاشكال بالقطع بخروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد بتقرير الحكومة»[1] الظاهر انه لا اشكال عندهم في خروج القياس عن عموم النتيجة بناء على تقرير الكشف، وذلك لأن ما ورد في حرمة العمل بالقياس يوجب كشف نصب الطريق من ناحية الشرع في ظرف الانسداد، وبمقتضى مقدماته، وأما ما ثبت عدم اعتباره عنده في مقام امتثال احكامه واستيفاء اغراضه، فهو خارج لا محالة عن دائرة هذا الكشف.
اما بناء على تقرير الحكومة:
فحيث ان العقل يستقيل في الحكم بحجية الظن في حال الانسداد، نظير حكمه باعتبار العلم في حال الانفتاح، فلا محالة يقع الاشكال في خروج القياس عن هذا الحكم، فإن بناء عليه يعتبر كل ظن من اي سبب حصل في مقام الاطاعة، فكيف يمكن خروج القياس مع كونه سبباً مورثا للظن بلا فرق بينه وبين سائر الاسباب.
واشكال خروج القياس عن دائرة هذا الحكم هو ان الاحكام العقلية لا تقبل التخصيص، وأنه كلما تحقق الموضوع لحكمه لتعلق به، ولا معنى لرفع حكمه عن الموضوع الا في فرض انتفاء الموضوع، وفرض عدم تحققه لينتفي الحكم بانتفاء موضوعه، وخروج الفرد عن تحت الموضوع المسمى بالتخصص.
وهذا اشكال على خروج القياس بناء على الحكومة، اورده المحقق الاستر آبادي على الاصوليين القائلين بحجية الظن.
قال الشيخ قدس سره:
المقام الثالث: في أنه إذا بني على تعميم الظن، فإن كان التعميم على تقرير الكشف، بأن يكون مقدمات الانسداد كاشفة عن حكم الشارع بوجوب العمل بالظن في الجملة ثم تعميمه بأحد المعممات المتقدمة، فلا إشكال من جهة العلم بخروج القياس عن هذا العموم، لعدم جريان المعمم فيه بعد وجود الدليل على حرمة العمل به، فيكون التعميم بالنسبة إلى ما عداه، كما لا يخفى على من راجع المعممات المتقدمة .
وأما على تقرير الحكومة:
بأن يكون مقدمات الدليل موجبة لحكومة العقل بقبح إرادة الشارع ما عدا الظن وقبح اكتفاء المكلف بما دونه، فيشكل توجيه خروج القياس.
وكيف يجامع حكم العقل بكون الظن كالعلم مناطا للإطاعة والمعصية ويقبح من الآمر والمأمور التعدي عنه، ومع ذلك يحصل الظن أو خصوص الاطمئنان من القياس، ولا يجوز الشارع العمل به ؟ فإن المنع عن العمل بما يقتضيه العقل - من الظن أو خصوص الاطمئنان - لو فرض ممكنا جرى في غير القياس، فلا يكون العقل مستقلا، إذ لعله نهى عن أمارة مثل ما نهى عن القياس بل وأزيد، واختفى علينا.
ولا رافع لهذا الاحتمال إلا قبح ذلك على الشارع، إذ احتمال صدور الممكن بالذات عن الحكيم لا يرتفع إلا بقبحه.
وهذا من أفراد ما اشتهر: من أن الدليل العقلي لا يقبل التخصيص، ومنشؤه لزوم التناقض. ولا يندفع إلا بكون الفرد الخارج عن الحكم خارجا عن الموضوع وهو التخصص. وعدم التناقض في تخصيص العمومات اللفظية إنما هو لكون العموم صوريا، فلا يلزم إلا التناقض الصوري . »[2] وحاصله:
ان العقل مستقل باعتبار الظن في ظرف انسداد باب العلم، وأن الظن يقوم مقام العلم عنده في باب الاطاعة والمعصية.
ويقبح عن الآمر التعدي عنه بمقتضى مقدمات الانسداد، وكذا عن المأمور.
اما بالنسبة الى الآمر فلأنه اذا كان الطريق للاطاعة في مقام الانسداد ينحصر باعتبار الظن عند العقل الحاكم في باب الاطاعة، فكيف يمكن للشرع عدم تجويزه، فيقبح عند المنع عنه.
ضرورة انه لو فرض سببية القياس للظن، فإن المنع عنه يستلزم عدم استقلال العقل في المقام، ومعه يمكن ان ينهى عن امارة مثل ما نهى عن القياس، واختفى علينا، ومن المعلوم ان احتمال صدوره بما انه يمكن بالذات عن الحكيم لا واقع له الا القبح.
وأما بالنسبة الى المأمور، فلأن مع استقلال العقل باعتبار الظن وسببية القياس للظن، فلا وجه لعدم عمل المأمور بمقتضاه في مقام الطاعة، وانما هو منه قبيح.
وأفاد (قدس سره)ايضاً، بأنه حيث ان الاحكام العقلية لا تقبل التخصيص وأن منشأه لزوم التناقض بين حكمه وبين التخصيص لما مر من انه لو تم موضوعية الفرد للحكم فلا وجه لارتفاع حكمه عنه بالتخصيص، وأنه لا وجه لارتفاع حكمه الا بانتفاء موضوعه.
وما يرى من التخصيص في العمومات اللفظية، فهو وأن كان يستلزم التناقص بين ما ثبت بعموم اللفظ، وخروج الفرد عنه، مع تماميته من حيث الموضوعية، الا ان التناقض المذكور صوري؛ لكون العموم صورياً، وأن المراد واقعاً كان اخص من العموم اللفظي.
وأفاد صاحب الكفاية (قدس سره)في مقام دفع الاشكال:
وأنت خبير بأنه لا وقع لهذا الاشكال، بعد وضوح كون حكم العقل بذلك معلقا على عدم نصب الشارع طريقا واصلا، وعدم حكمه به فيما كان هناك منصوب ولو كان أصلا.
بداهة أن من مقدمات حكمه عدم وجود علم ولا علمي، فلا موضوع لحكمه مع أحدهما، والنهي عن ظن حاصل من سبب ليس إلا كنصب شئ، بل هو يستلزمه فيما كان في مورده أصل شرعي، فلا يكون نهيه عنه رفعا لحكمه عن موضوعه، بل به يرتفع موضوعه، وليس حال النهي عن سبب مفيد للظن إلا كالامر بما لا يفيده، وكما لا حكومة معه للعقل لا حكومة له معه، وكما لا يصح بلحاظ حكمه الاشكال فيه، لا يصح الاشكال فيه بلحاظه .
نعم لا بأس بالاشكال فيه في نفسه، كما أشكل فيه برأسه بملاحظة توهم استلزام النصب لمحاذير، تقدم الكلام في تقريرها وما هو التحقيق في جوابها في جعل الطرق.
غاية الامر تلك المحاذير - التي تكون فيما إذا أخطأ الطريق المنصوب - كانت في الطريق المنهي عنه في مورد الإصابة، ولكن من الواضح أنه لا دخل لذلك في الاشكال على دليل الانسداد بخروج القياس، ضرورة أنه بعد الفراغ عن صحة النهي عنه في الجملة، قد أشكل في عموم النهي لحال الانسداد بملاحظة حكم العقل، وقد عرفت أنه بمكان من الفساد . واستلزام إمكان المنع عنه، لاحتمال المنع عن أمارة أخرى وقد اختفى علينا، وإن كان موجبا لعدم استقلال العقل، إلا أنه إنما يكون بالإضافة إلى تلك الامارة، لو كان غيرها مما لا يحتمل فيه المنع بمقدار الكفاية، وإلا فلا مجال لاحتمال المنع فيها مع فرض استقلال العقل، ضرورة عدم استقلاله بحكم مع احتمال وجود مانعه، على ما يأتي تحقيقه في الظن المانع والممنوع. وقياس حكم العقل بكون الظن مناطا للإطاعة في هذا الحال على حكمه بكون العلم مناطا لها في حال الانفتاح، لا يكاد يخفى على أحد فساده، لوضوح أنه مع الفارق، ضرورة أن حكمه في العلم على نحو التنجز، وفيه على نحو التعليق . ثم لا يكاد ينقضي تعجبي لم خصصوا الاشكال بالنهي عن القياس، مع جريانه في الامر بطريق غير مفيد للظن، بداهة انتفاء حكمه في مورد الطريق قطعا، مع أنه لا يظن بأحد أن يستشكل بذلك، وليس إلا لاجل أن حكمه به معلق على عدم النصب، ومعه لا حكم له، كما هو كذلك مع النهي عن بعض أفراد الظن، فتدبر جيدا.»[3]
[1] كفاية الأصول، ص325.
[2] فرائد الأصول، ج1، ص516-517.
[3] كفاية الأصول، ص325-326.