بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سي و چهار
قال الشيخ (قدس سره): « أن هذا الدليل بظاهره عبارة أخرى عن دليل الانسداد الذي ذكروه لحجية الظن في الجملة أو مطلقا، وذلك لأن المراد بالسنة هو: قول الحجة أو فعله أو تقريره، فإذا وجب علينا الرجوع إلى مدلول الكتاب والسنة ولم نتمكن من الرجوع إلى ما علم أنه مدلول الكتاب أو السنة، تعين الرجوع - باعتراف المستدل - إلى ما يظن كونه مدلولا لأحدهما، فإذا ظننا أن مؤدى الشهرة أو معقد الإجماع المنقول مدلول للكتاب أو لقول الحجة أو فعله أو تقريره، وجب الأخذ به، ولا اختصاص للحجية بما يظن كونه مدلولا لأحد هذه الثلاثة من جهة حكاية أحدها التي تسمى خبرا وحديثا في الاصطلاح.
نعم، يخرج عن مقتضى هذا الدليل: الظن الحاصل بحكم الله من أمارة لا يظن كونه مدلولا لأحد الثلاثة، كما إذا ظن بالأولوية العقلية أو الاستقراء أن الحكم كذا عند الله ولم يظن بصدوره عن الحجة، أو قطعنا بعدم صدوره عنه ( عليه السلام )، إذ رب حكم واقعي لم يصدر عنهم وبقي مخزونا عندهم لمصلحة من المصالح.
لكن هذا نادر جدا، للعلم العادي بأن هذه المسائل العامة البلوى قد صدر حكمها في الكتاب أو ببيان الحجة قولا أو فعلا أو تقريرا، فكل ما ظن من أمارة بحكم الله تعالى فقد ظن بصدور ذلك الحكم عنهم.
والحاصل: أن مطلق الظن بحكم الله ظن بالكتاب أو السنة، ويدل على اعتباره ما دل على اعتبار الكتاب والسنة الظنية».
وحاصل ما افاده: ان هذا الوجه يرجع الى حجية الظن في الجملة او مطلقاً، لأن المراد بالسنة ما هو اعم من الاخبار، لأنها هي قول المعصوم او فعله او تقريره، فيجب بمقتضاه الأخذ بكون كل ما يظن كونه مدلولاً للكتاب والسنة في فرض عدم امكان تحصيل العلم به.
فلا تختص الحجية بما يظن كونه مدلولاً لهما من جهة الحكاية التي تسمى بالخبر.
ثم اورد على نفسه: « فإن قلت: المراد بالسنة الأخبار والأحاديث، والمراد أنه يجب الرجوع إلى الأخبار المحكية عنهم، فإن تمكن من الرجوع إليها على وجه يفيد العلم فهو، وإلا وجب الرجوع إليها على وجه يظن منه بالحكم. قلت: مع أن السنة في الاصطلاح عبارة عن نفس قول الحجة أو فعله أو تقريره، لا حكاية أحدها، يرد عليه:
أن الأمر بالعمل بالأخبار المحكية المفيدة للقطع بصدورها ثابت بما دل على الرجوع إلى قول الحجة، وهو الإجماع والضرورة الثابتة من الدين أو المذهب. وأما الرجوع إلى الأخبار المحكية التي لا تفيد القطع بصدورها عن الحجة، فلم يثبت ذلك بالإجماع والضرورة من الدين التي ادعاها المستدل، فإن غاية الأمر دعوى إجماع الإمامية عليه في الجملة، كما ادعاه الشيخ والعلامة في مقابل السيد وأتباعه قدست أسرارهم. وأما دعوى الضرورة من الدين والأخبار المتواترة كما ادعاها المستدل، فليست في محلها. ولعل هذه الدعوى قرينة على أن مراده من السنة نفس قول المعصوم أو فعله أو تقريره، لا حكايتها التي لا توصل إليها على وجه العلم.
نعم، لو ادعى الضرورة على وجوب الرجوع إلى تلك الحكايات الغير العلمية، لأجل لزوم الخروج عن الدين لو طرحت بالكلية.
يرد عليه: أنه إن أراد لزوم الخروج عن الدين من جهة العلم بمطابقة كثير منها للتكاليف الواقعية التي يعلم بعدم جواز رفع اليد عنها عند الجهل بها تفصيلا، فهذا يرجع إلى دليل الانسداد الذي ذكروه لحجية الظن، ومفاده ليس إلا حجية كل أمارة كاشفة عن التكليف الواقعي.
وإن أراد لزومه من جهة خصوص العلم الإجمالي بصدور أكثر هذه الأخبار - حتى لا يثبت به غير الخبر الظني من الظنون - ليصير دليلا عقليا على حجية خصوص الخبر، فهذا الوجه يرجع إلى الوجه الأول الذي قدمناه وقدمنا الجواب عنه، فراجع.»
ويمكن ان يقال:
ان المدعى في هذا الوجه اولاً: وجوب العمل ولزوم الرجوع بالكتاب والسنة الى يوم القيامة وهذا مما لا شبهة فيه، واستدل عليه بالضرورة والاجماع والاخبار المتواترة.
ومعنى وجوب العمل بهما ثبوت التكاليف المدلولة لهما على عهدة المكلف، فكل مكلف تكون عهدته مشغولة بهذه التكاليف الى يوم القيامة ويجب عليه تفريغها عنها.
والمراد من التكاليف الثابتة فيهما، اما بالنسبة الى الكتاب فإنما يثبت هذه التكاليف فيها اما بالنص او بالظهور، وأما بالنسبة الى السنة فالمراد منها اما قول المعصوم وإما فعله وإما تقريره على ما افاد الشيخ قدس سره، وهو وإن كان لا يخلو عن مسامحة ظاهرة، لأن عمل المعصوم مع فرض ثبوته علماً او علمياً فهو مجمل غير قابل للاستناد به الا على وجه الأخذ بالمتيقن، وهو في غاية الندرة، وإما تقرير المعصوم فينحصر مورده بثبوت حكم عند
الناس، او الاصحاب في عصر النبي او الائمة، او عمل الناس به في مرئى الامام ومسمعه ولم يتعرض الامام لنفيه، وهذا لا يتحقق الا في موارد السيرة المستمرة من المتشرعة، او الشهرة المتحققة في اصحابنا الاوائل، او في مورد نقل عن الامام عليه السلام ما يتضمن قبوله بعدم تعرضه لخلافه، وهذا داخل في عنوان الخبر، وثبوت السيرة الغير المستند الى الفتوى بين المتشرعة نادر جداً، والشهرة لا يلتزم بها الشيخ ولو من الاوائل، ومع التزامه فإن العمدة فيها جبر صرف السند او الدلالة في الاخبار بها فهو داخل ايضاً في الخبر، وعليه فإن السنة بالمعنى المطلق تطلق على الروايات وهي المراد غالبا في تعبيرنا بالسنة.
وأما الروايات، فالمراد منها نقل قول النبي(ص) او الامام عليه السلام، فلو اردنا من السنة رأي النبي او الامام فلا محالة ان الخبر طريق اليه كما هو الشأن في سائر الطرق، فالخبر طريق الى السنة، ولكن المتعارف اطلاق السنة على نفس الاخبار لأن الطريق مرآة لذيه – اي ذي الطريق ـ والواقع الذي يكون الخبر طريقاً اليه.
وهذا ليس بمهم في ما نحن بصدد بيانه، فلا وجه لما افاده الشيخ قدس سره من ان الخبر حكاية عن السنة وليست بسنة، او ان السنة لا تنحصر بالخبر، والحكاية اعم من حكاية القول او العمل او التقرير، فإن كل هذه الشبهات جهات فرعية لا يهم بعد القطع بأن المراد من السنة ما بأيدينا من الاخبار في كلمات الاصحاب، والتحقيق الرجوع الى ما هو الاصول في هذه الوجه.