بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه پنجاه و چهارم
ثم قرر السید الخوئی:
وذلك، لان معنى جعل الماهية على ما ذكروه هو تصور أمور متعددة مجتمعة ومنضما بعضها مع بعض، ثم الامر بها بعنوان أنها شئ واحد. ومرجع هذا المعنى إلى شيئين :
الأول: تصور الأمور المتعددة كالتكبير والقيام والقراءة مثلا بتصور واحد.
الثاني: الامر بهذه الأمور المتعددة، ولا يصلح شئ منهما لان يكون جعلا للماهية.
أما الأول:
فهو عبارة عن ايجاد الماهيات المتعددة في الذهن، فان الوجود الذهني للأشياء هو عين تصورها لاجعل الماهيات تشريعا، فيكون تصورها جعلا تكوينيا لها في الذهن بتبع ايجادها فيه.
كما أن الجعل التكويني الخارجي لماهية إنما يكون بتبع ايجادها في الخارج.
والفرق بين الوجود الذهني والخارجي أن وجود الأشياء في الخارج متمايز ومنحاز بعضها عن بعض، بخلاف وجودها الذهني، فإنه يمكن تصورها في الذهن بتصور واحد بلا امتياز لبعضها عن بعض.
وأما الثاني:
فهو عبارة عن التكليف فهو المجعول تشريعا دون الماهية. فتحصل أن المجعول الشرعي منحصر في الأحكام التكليفية والوضعية.
ثم إن الحكم التكليفي قد يكون مجعولا بنحو القضية الحقيقية والكبرى الكلية. كقوله تعالى : " ولله على الناس حج البيت... " وقد يكون مجعولا بنحو القضية الشخصية. كما في أمر الرسول صلى الله عليه وآله الشيخين بالخروج مع جيش أسامة.
وكذا الحكم الوضعي تارة يكون مجعولا بنحو القضية الحقيقية كما في قوله تعالى : " أحل الله البيع... " بناء على كون المراد بحليته الحلية الوضعية. وكما في القضاة العامة المجعولة بنحو القضية الحقيقية المستفادة من قوله ( ع ) : " انظروا إلى رجل قد نظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا... إلى قوله ( ع ) : فاني قد جعلته حاكما " وأخرى يكون مجعولا بنحو القضية الشخصية. كما في نصب الإمام عليه السلام شخصا معينا قاضيا في بلدة معينة.
وبالجملة:
في كل مورد حكم فيه الرسول بما هو رسول أو الامام بما هو إمام. فهو حكم شرعي يجب امتثاله، وان كان الحق عندنا وجوب إطاعة الرسول أو الامام حتى فيما إذا حكم بما هو هو لا بما هو رسول أو بما هو إمام.
إذا عرفت ما ذكرناه من الفرق بين الأحكام التكليفية والوضعية وأقسامهما: تعلم صحة جريان الاستصحاب في الأحكام الوضعية أيضا.
أما الحكم الوضعي المجعول بالاستقلال كالملكية والزوجية:
فأمره واضح، لكونه كالحكم التكليفي من جميع الجهات، فان قلنا بجريان الاستصحاب في الاحكام الكلية التكليفية، نقول به في الأحكام الوضعية أيضا، سواء كان الشك من جهة احتمال النسخ أو من جهة احتمال الرافع، وإن قلنا باختصاص الاستصحاب بالشبهات الموضوعية، نقول به في الأحكام الوضعية.
وأما الحكم الوضعي المجعول بالتبع كالشرطية والسببية والمانعية:
فجريان الاستصحاب فيه وإن كان لا مانع منه من حيث المقتضي وشمول الدليل من قوله ( ع ) : " لا تنقض... " إلا أنه لا تصل النوبة إلى جريان الاستصحاب فيه، بل يجري الاستصحاب في منشأ انتزاعه. فإذا شككنا في بقاء شرطية الاستقبال للصلاة مثلا، لا تصل النوبة إلى جريان الاستصحاب في نفس الشرطية.
بأن يقال : الشرطية كانت متيقنة والآن كما كانت، لجريان الاستصحاب في منشأ انتزاعها، وهو كون الامر بالصلاة مقيدا بالاستقبال.
فنقول : الامر بالصلاة كان مقيدا بالاستقبال والآن كما كان، فيحكم بكون الاستقبال شرطا ظاهريا للصلاة للاستصحاب، فان الشرطية الواقعية منتزعة من الامر الواقعي بالمقيد، والشرطية الظاهرية منتزعة من الامر الظاهري بالمقید.»[1]
[1] . البهسودي، مصباح الاصول تقرير البحث السيد الخوئي، ج3، ص 82-89.