بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه پنجاه و ششم
وافاد المحقق النائيني قدس سره:
«وأما الاحكام الوضعية فهي المجعولات الشرعية التي لا تتضمن البعث والزجر ولا تتعلق بالافعال ابتداء أولا وبالذات ، وإن كان لها نحو تعلق بها ولو باعتبار ما يستتبعها من الأحكام التكليفية ، سواء تعلق الجعل الشرعي بها ابتداء تأسيسا أو امضاء ، أو تعلق الجعل الشرعي بمنشأ انتزاعها).
ثم افاد قدس سره:
«وقد اختلف كلمات الاصحاب في تعدادها.
فقيل : إنها ثلاثة ، وهي السببية والشرطية والمانعية .
وقيل : إنها خمسة ، بزيادة العلة والعلامة .
وقيل : تسعة ، بإضافة الصحة والفساد والرخصة والعزيمة .
وقيل : إنها غير محصورة ، بل كل مالا يكون من الحكم التكليفي فهو من الحكم الوضعي ، سواء كان له دخل في التكليف أو في متعلقه أو في موضوعه ، حتى عد من الأحكام الوضعية مثل القضاوة والولاية .
بل قيل :
إن الماهيات المخترعة الشرعية كلها من الأحكام الوضعية ، كالصوم والصلاة والحج ونحو ذلك .
وقد شنع على القائل بذلك :
بأن الصوم والصلاة والحج ليست من مقولة الحكم ، فكيف تكون من الأحكام الوضعية ؟ .
ولكن يمكن توجيهه :
بأن عد الماهيات المخترعة الشرعية من الأحكام الوضعية إنما هو باعتبار كونها مركبة من الاجزاء والشرائط والموانع ، وحيث كانت الجزئية والشرطية والمانعية من الأحكام الوضعية فيصح عد جملة المركب من الأحكام الوضعية ، وليس مراد القائل بأن الماهيات المخترعة من الأحكام الوضعية كون الصلاة مثلا بما هي هي حكما وضعيا ، فان ذلك واضح الفساد لا يرضى المنصف أن ينسبه إلى من كان من أهل العلم .
نعم :
عد الولاية والقضاوة من الأحكام الوضعية لا يخلو عن تعسف خصوصا الولاية والقضاوة الخاصة التي كان يتفضل بهما الامام - عليه السلام - لبعض الصحابة ، كولاية مالك الأشتر ، فان الولاية والقضاوة الخاصة حكمها حكم النيابة والوكالة لا ينبغي عدها من الأحكام الوضعية ، وإلا فبناء على هذا التعميم كان ينبغي عد الإمامة والنبوة أيضا من الأحكام الوضعية ، وهو كما ترى .
فالتحقيق :
أن الأحكام الوضعية ليست بتلك المثابة من الاقتصار ، بحيث تختص بالثلاثة أو الخمسة أو التسعة المتقدمة ، ولا هي بهذه المثابة من التعميم بحيث تشمل الماهيات المخترعة والولاية والقضاوة ).
ثم افاد قدس سره:
«بل ينبغي ان يقال: ان المجعولات الشرعية التي هي من القضايا الكلية الحقيقية على أنحاء ثلاثة :
منها: ما يكون من الحكم التكليفي .
ومنها: ما يكون من الحكم الوضعي .
ومنها: ما يكون من الماهيات المخترعة ).
ثم افاد قدس سره ضمن امر آخر وهو الأمر الرابع:
«المجعولات الشرعية:
اما ان يكون تأسيسيه، وهي التي وهي التي لا تكون لها عين ولا أثر عند العرف والعقلاء ، كالأحكام الخمسة التكليفية .
وإما أن تكون إمضائية .
وهي الأمور الاعتبارية العرفية التي يعتبرها العرف والعقلاء ، كالملكية والزوجية والرقية والحرية ونحو ذلك من منشآت العقود والايقاعات .
فان هذه الأمور الاعتبارية كلها ثابتة عند عامة الناس قبل الشرع والشريعة ، وعليها يدور نظامهم ومعاشهم .
والشارع قد أمضاها بمثل قوله - تعالى - " أحل الله البيع " و " أوفوا بالعقود " و " الصلح جايز بين المسلمين " ونحو ذلك من الأدلة الواردة في الكتاب والسنة ، وليست الملكية المنشأة بالبيع والزوجية المنشأة بالنكاح والتسالم المنشأ بالصلح من المخترعات الشرعية ، بل هي من الأمور الاعتبارية العرفية التي أمضاها الشارع بزيادة بعض القيود والخصوصيات .
وليست من الأمور الانتزاعية ، وقد خالف الشيخ - قدس سره - في ذلك والتزم بأن هذه الأمور كلها منتزعة عن التكاليف التي في موردها ، فالملكية تنتزع من حرمة تصرف الغير في المال ، والزوجية تنتزع من جواز وطي الزوج وحرمة نكاح الغير لها ، والرقية تنتزع من وجوب إطاعة الرق للمولى ، وهكذا سائر الأمور العرفية الاعتبارية التي لها آثار خاصة . وقد أتعب نفسه الزكية في كثير من الموارد في تعيين ما هو المنشأ لانتزاع بعض الوضعيات ، كالطهارة والنجاسة ولزوم العقد والحجية ونحو ذلك ، لأنه ليس في هذه الموارد حكم تكليفي قابل لان يكون منشأ لانتزاعها ...).