بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه هفتاد و دوم
ثم اورد صاحب الکفایة قدس سره علي نفسه اشكالاً:
وهو ان هذا التقريب الذي دفعتم به الاشكال لا يساعد مع ادلة اعتبار الاستصحاب، وذلك لأن المعتبر في الاستصحاب بمقتضي هذه الاخبار التعبد ببقاء الشيء بعد اخذ اليقين به فيه، بمعني انه لولا حصول اليقين به لا تعبد ببقائه بمقتضاها، وفي المقام ليس لنا الا اليقين بالحكم علي تقدير ثبوته بالامارة، وليس لنا يقين علي جميع التقادير.
وأجاب عنه قدس سره
بأن الظاهر من ادلة الاستصحاب وإن كان اخذ اليقين في مقام التعبد بالبقاء، وهذا اليقين غير محقق في مؤدي الامارات.
الا انه يظهر من هذه الادلة ان اليقين لم يؤخذ موضوعاً، بل انما اخذ كاشفاً عن الواقع ومرآة لثبوته وانما كان التعبد ببقاء مثله، اي ما تكشف عنه الامارة وتكون مرآة اليه باق تعبداً ما لم يعلم بخلافه.
ثم امر بالتفهم، ولعل وجهه ما سيأتي من الوجوه في المقام.
ثم انه قدس سره افاد في حاشيته علي المتن:
ان المشهور لم يلتزموا مثلنا بأن مؤدي الامارات الحجية بمعني المنجزية والمعذورية كما عرفت.
بل ان بنائهم علي ان مؤديات الطرق احكام ظاهرية شرعية، وقد اشتهر في السنتهم ان ظنية الطريق لا تنافي قطعية الحكم وبناءً علي هذا الالتزام لا محذور في جريان الاستصحاب في مؤدي الامارات، لأن الذي ادت اليه الامارة من الحكم محتمل البقاء لإمكان اصابتها الواقع.
وأفاد قدس سره بأن القطع بعدم فعليته حيث انه يحتمل بقائه لأن الدال علي الحكم هو الامارة، والمفروض عدم دلالتها الا علي ثبوت الحكم دون بقائه، لا يضر في المقام لفعليته الناشئة باستصحابه.
هذا ما افاده صاحب الكفاية قدس سره
قال السيد الاستاذ قدس ره:
«... منشأ الاشكال في اجراء الاستصحاب فيما قامت الامارة على حدوثه هو :
ان ظاهر دليل الاستصحاب هو اعتبار اليقين بالحدوث والشك في البقاء ، والحكم الواقعي الذي قامت عليه الامارة لا يقين به ، فمع الشك في بقائه لا يمكن استصحابه لاختلال أحد ركني الاستصحاب .
مثلا :
لو قامت الامارة على وجوب احترام زيد وشك في أن وجوب احترامه مستمر إلى ثلاثة أيام أو هو ثابت في يومين . فقط ، ففي اليوم الثالث يشك في بقاء الوجوب ، والامارة لا تصلح لاثباته لأنها مجملة من هذه الناحية ، فليس هنا الا الاستصحاب وقد عرفت الاشكال فيه .
ولا يخفى عليك ان مبنى الاشكال
على عدم قيام الامارة – بدليل اعتبارها - مقام القطع الموضوعي . وإلا فلا اشكال ، إذ الأثر الشرعي الثابت لليقين بالحدوث ، وهو حرمة النقض ، ثابت للامارة بحسب الفرض ، فقيام الامارة على الحدوث يجدي في الاستصحاب لأنها بمنزلة اليقين.
يجري في الاستصحاب لأنها بمنزلة اليقين.
وأما بناء الاشكال علي عدم تكفل دليل الاعتبار جعل المؤدي وانشاء احكام ظاهرية شرعية، بل تكفله التنجيز والتعذير لا غير ـ كما يظهر من الكفاية ـ فليس بسديد.
وذلك: لأن الحكم الظاهري الثابت يقيناً بالامارة ارتفع يقينياً بارتفاع سببه وهو الامارة، فإنه منوط بقيامها، وهي لم يقم علي اكثر من زمان اليقين، والحكم الواقعي مشكوك الحدوث بحسب الفرض وسيأتي توضيح الكلام انشاء الله.
وبالجملة:
مبني الاشكال:
ما عرفت من عدم قيام الامارة مقام القطع الموضوعي.
ثم ان ما افاده صاحب الكفاية في دفع الاشكال بأن دليل الاستصحاب يتكفل جعل الملازمة الظاهرية بين الحدوث والبقاء وإن كل ما هو حادث باق تعبداً وأن الحدوث اخذ فيها موضوعاً للتعبد بالبقاء واليقين لوحظ طريقاً لاحراز الموضوع. والحدوث الواقعي موضوع للحكم الظاهري بالبقاء في المقام، فإذا قامت الحجة علي الحدوث كانت حجة علي حكمه واثره وهو البقاء الظاهري، فتكون الامارة مثبتة لموضوع الحكم الاستصحابي قد اورد عليه بوجوه:
الاول: ما افاده المحقق النائيني قدس سره:
وحاصله:
انه لا تصل النوبة الي ما افاده صاحب الكفاية، لأن دليل اعتبار الامارة يتكفل جعل الطريقية والوصول والمحرزية، فهو يعتبر الامارة علماً.
فيترتب عليها جميع آثار العلم عقلية كانت او شرعية، ومنها التعبد بالبقاء، فيندفع الاشكال بحذافيره.
وأورد عليه السيد الاستاذ قدس سره:
«وفيه اولاً
ان هذا الايراد مبنائي لا يمكن ان يلزم به مثل صاحب الكفاية قدس سره ممن لا يري جعل الطريقية.
وقد عرفت ان اصل الاشكال في استصحاب مؤدي الامارة مبني علي عدم الالتزام بقيام الامارة مقام القطع الموضوعي فتدبر.
وثانياً :
انه لو التزم بجعل الطريقية والوسطية في الاثبات فلا ينفع.
وذلك:
لأن غاية ما يجدي هذا الالتزام هو امكان قيام الامارة مقام القطع الموضوعي، وترتب جميع الآثار المترتبة علي العلم ـ عقلية او شرعية ـ عليها، واندفاع المحذور الثبوتي في الالتزام بقيامها مقام القطع الموضوعي والطريقي بناءً علي جعل المؤدي الذي تقدم البحث فيه في مباحث القطع.
ولكن مجرد امكان ذلك ثبوتاً مما لا يساعد عليه مقام الاثبات، وهو قاصر عن افاده تنزيل الامارة منزلة القطع في جميع آثاره او اعتبار الامارة علماً بلحاظ مطلق آثار العلم.
اذ ليس لدينا ـ في باب خبر الواحد مثلاً ـ دليل لفظي بلسان ان خبر الواحد علم ونحوه من التعبيرات حتي يؤخذ باطلاقه، ويلتزم بترتب جميع آثار العلم عليه.
بل عمدة الادلة هو السيرة العملية القائمة علي حجية الخبر، وليس في الاحكام العقلائية ما هو مرتب علي اليقين بعنوانه كي يري ان السيرة قائمة علي معاملة خبر الواحد معاملة اليقين بالنسبة اليه او ليست قائمة علي ذلك. ومثل النصوص التي استدل علي حجية الخبر ـ بناءً علي دلالتها ـ
فإن قوله (ع) في العمري وابنه: «ما اديا عني فعني يؤديان ظاهر في اثبات التنجيز والتعذير لخبرهما كما لا يخفي.
اذن، فمن اين نجزم بأن الشارع قد اعتبر الامارة علماً بلحاظ جميع آثار العلم كي نلتزم بقيامها مقام القطع الموضوعي؟
وبالجملة: ما افيد في هذا الوجه مضافاً الي كونه مبنائياً لا ينفع القائل بالمبني المذكور فلاحظ».