بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه نود و دوم
ثم ان هنا فرعين، ذكرهما السيد الخوئي قدس سره، قال:
«الفرع الاول:
اذا قلنا بنجاسة شئٌ فعلاً، وشككنا في أن نجاسته ذاتية غير قابلة للتطهير أو عرضية قابلة له.
كما إذا علمنا بأن هذا الثوب من الصوف نجس فعلا، ولكن لا ندري أن نجاسته لكونه من صوف الخنزير، أو لملاقاة البول مثلا.
فعلى القول بجريان الاستصحاب في العدم الأزلي كما هو المختار، نحكم بعدم كونه من صوف الخنزير وبطهارته بعد الغسل.
وأما على القول بعدم جريان الاستصحاب في العدم الأزلي فيحكم بنجاسته بعد الغسل لاستصحاب كلي النجاسة، لدوران النجاسة حينئذ بين فرد مقطوع الارتفاع بعد الغسل وفرد متيقن البقاء.
الفرع الثاني:
إذا علمنا بطهارة شئ فعلا لقاعدة الطهارة ثم عرضت له النجاسة فطهرناه، فشككنا في ارتفاعها لاحتمال كون النجاسة ذاتية غير قابلة للتطهير، كما في الصابون الذي يؤتى به من الخارج ويحتمل كونه مصنوعا من شحم الخنزير والميتة، فإنه محكوم بالطهارة فعلا لقاعدة الطهارة.
فإذا عرضت له النجاسة فغسلناه، فلا محالة نشك في طهارته، لاحتمال كونه مصنوعا من نجس العين، ولكنه مع ذلك محكوم بالطهارة بعد الغسل، ولا مجال لجريان استصحاب الكلي حتى على القول بعدم جريان الاستصحاب في العدم الأزلي.
لأنه قبل طرو النجاسة العرضية عليه كان محكوما بالطهارة لقاعدة الطهارة، وبعد كونه طاهرا بالتعبد الشرعي يجري عليه أحكام الطاهر.
ومن جملتها أنه يطهر من النجاسة العرضية بالتطهير الشرعي.
وبالجملة:
بعد الحكم بكونه طاهرا بالتعبد الشرعي يدخل تحت العمومات الدالة على أن المتنجسات تطهر بوصول المطر أو الماء الجاري إليها، فلا مجال لجريان استصحاب الكلي، لكونه محكوما بالأصل الموضوعي [1].
اما القسم الثالث: ـ من اقسام استصحاب الكلي ـ
قال صاحب الكفاية:
«و أما اذا كان الشك في بقائه، من جهة الشك في قيام خاص آخر في مقام ذاك الخاص الذي كان في ضمنه بعد القطع بارتفاعه.
ففي استصحابه إشكال.
أظهره: عدم جريانه، فإن وجود الطبيعي وإن كان بوجود فرده، إلا أن وجوده في ضمن المتعدد من أفراده ليس من نحو وجود واحد له، بل متعدد حسب تعددها، فلو قطع بارتفاع ما علم وجوده منها، لقطع بارتفاع وجوده، وإن شك في وجود فرد آخر مقارن لوجود ذاك الفرد، أو لارتفاعه بنفسه أو بملاكه، كما إذا شك في الاستحباب بعد القطع بارتفاع الايجاب بملاك مقارن أو حادث.
لا يقال:
الامر وإن كان كما ذكر، إلا أنه حيث كان التفاوت بين الايجاب والاستحباب وهكذا بين الكراهة والحرمة، ليس إلا بشدة الطلب بينهما وضعفه، كان تبدل أحدهما بالآخر مع عدم تخلل العدم غير موجب لتعدد وجود الطبيعي بينهما، لمساوقة الاتصال مع الوحدة، فالشك في التبدل حقيقة شك في بقاء الطلب وارتفاعه، لا في حدوث وجود آخر.
فإنه يقال:
الامر وإن كان كذلك، إلا أن العرف حيث يرى الايجاب والاستحباب المتبادلين فردين متباينين، لا واحد مختلف الوصف في زمانين، لم يكن مجال للاستصحاب، لما مرت الإشارة إليه وتأتي، من أن قضية إطلاق أخبار الباب، أن العبرة فيه بما يكون رفع اليد عنه مع الشك بنظر العرف نقضا، وإن لم يكن بنقض بحسب الدقة، ولذا لو انعكس الامر ولم يكن نقض عرفا، لم يكن الاستصحاب جاريا وإن كان هناك نقض عقلا.
وحاصل ما افاده قدس سره:
انه يتصور في القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي اقسام ثلاثة.
1 ـ ما لو حصل لنا العلم بوجود الفرد ثم حصل لنا العلم بارتفاعه الا انه يشك في حدوث فرد آخر مقارناً لوجود ما نتيقن ارتفاعه كما اذا حصل لنا العلم بوجود الحيوان في ضمن فرد قصير العمر ثم علمنا بارتفاعه الا انه وقع الشك في انه هل وجد حيوان آخر مقارناً لحياة الاول حتي بقي الكلي ببقائه ام لا.
2 ـ لو حصل لنا العلم بوجود فرد من افراد الكلي وعلمنا بارتفاعه الا انه وقع الشك في حدوث فرد آخر مقارناً لارتفاع الفرد الاول ـ بخلاف القسم الاول حيث حدث الشك في حدوث فرد آخر مقارناً لحياة الفرد الاول بحيث يفرض لهما الوجود في زمان واحد ـ كما اذا علم بوجود الانسان في الدار بالعلم بوجود زيد فيه ثم علم بذهابه وشك بأنه حين ذهابه هل جاء عمرو مكانه ام لا بحيث لو جاء عمرو لكان كلي الانسان باقياً في الدار في ضمنه.
3 ـ ان يعلم بوجود الكلي في ضمن فرد منه وعلم بانتفاء الفرد وشك في انه حين انتفائه هل يبدل الفرد المفروض زواله بفرد آخر او لا، كما اذا علم بوجوب شئٍ وعلم بعد ذلك بانتفائه وقد شك في انه هل تبدل الوجوب بعد انتفائه بالاستحباب ام لا تبدل مرتبة بمرتبة اخري، وهذا القسم ايضاً يمكن تصويره علي نحوين.
الاول: كون المرتبة المشكوكة فرداً مبانياً للفرد المرتفع عرفاً كتبدل الاحمرار بالاصفرار الذين هما متباينان عرفاً وإن كان بالدقة العقلية من مراتب حقيقة واحدة.
الثاني: كونهما من مراتب حقيقة واحدة عرفاً كتبدل السواد الشديد بالسواد الضعيف.
وظاهر صاحب الكفاية قدس سره التأمل في جريان الاستصحاب في جميع الاقسام الثلاثة سوي النحو الثاني من القسم الثالث اي تبدل مرتبة الي مرتبة اخرى مع كونهما من مراتب حقيقة واحدة عرفاً.
وأفاد في وجهه:
ان وجود الكلي في ضمن الفرد المعلوم حدوثه في المقام مقطوع الارتفاع ووجوده في ضمن فرد آخر مشكوك الحدوث، فإنما تعلق اليقين بوجود ليس مشكوك البقاء، وتعلق الشك بوجود لا يعلم حدوثه.
ومن المعلوم ان وجود الكلي في ضمن فرد غير وجوده في ضمن فرد اخر.
كما صرح قدس سره بأن وجود الطبيعي وإن كان بوجود فرده، الا ان وجوده في ضمن المتعدد من افراده ليس من نحو وجود واحد له، بل متعدد حسب تعددها.
[1] البهسودي، مصباح الاصول تقرير البحث السيد الخوئي، ج3، ص113ـ114.