بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پنجاه و ششم
2 ـ قال شيخنا المظفر في اصول الفقه:
«... ان عمومات الآيات والأخبار الناهية عن اتباع غير العلم كافية في الردع عن اتباع بناء العقلاء ، وكذلك ما دل على البراءة والاحتياط في الشبهات .
بل احتمال عمومها للمورد كاف في تزلزل اليقين بهذه المقدمة . فلاوجه لاتباع هذا البناء ، إذ لابد في اتباعه من قيام الدليل على أنه ممضى من قبل الشارع . ولا دليل .
والجواب ظاهر من تقريبنا للمقدمة الثانية على النحو الذي بيناه ، فإنه لا يجب في كشف موافقة الشارع إحراز إمضائه من دليل آخر ، لأن نفس بناء العقلاء هو الدليل والكاشف عن موافقته ، كما تقدم . فيكفي في المطلوب عدم ثبوت الردع ، ولا حاجة إلى دليل آخر على إثبات رضاه وإمضائه .
وعليه ، فلم يبق علينا إلا النظر في الآيات والأخبار الناهية عن اتباع غير العلم في أنها صالحة للردع في المقام أو غير صالحة ؟
والحق أنها غير صالحة ، لأن المقصود من النهي عن اتباع غير العلم هو النهي عنه لإثبات الواقع به ، وليس المقصود من الاستصحاب إثبات الواقع ، فلا يشمل هذا النهي الاستصحاب الذي هو قاعدة كلية يرجع إليها عند الشك ، فلا ترتبط بالموضوع الذي نهت عنه الآيات والأخبار حتى تكون شاملة لمثله ، أي أن الاستصحاب خارج عن الآيات والأخبار تخصصا.
وأما ما دل على البراءة أو الاحتياط فهو في عرض الدليل على الاستصحاب فلا يصلح للردع عنه ، لأن كلا منهما موضوعه " الشك " بل أدلة الاستصحاب مقدمة على أدلة هذه الأصول ، كما سيأتي».[1]
ويمكن ان يقال:
ان ما افاده قدس سره وإن كان تاماً بجميع مقدماته، وكذا ما افاده في مقام النتيجة من خروج الاستصحاب عن شمول الآيات الناهية تخصصاً الا ان التأمل في وجه تقريب التخصص في كلامه، لأن اساس خروج الاستصحاب موضوعاً عن تلك الادلة، ان مدلول الآيات النهي عن الظن لإثبات الواقع به، وليس المقصود من الاستصحاب اثبات الواقع، فلا يشمل هذا النهي الاستصحاب الذي هو قاعدة كلية يرجع اليها عند الشك، فلا ترتبط بالموضوع الذي نهت عنه الآيات والأخبار.
وقد مر التأمل في ذلك من جهة انه ليس في بناء العقلاء واقع ووراء غير التحفظ علي نظامهم، وليس الاستصحاب عندهم غير الجري العملي علي العمل علي وفق الحالة السابقة حفظاً لنظامهم.
وكون الاستصحاب قاعدة كلية يرجع اليها عند الشك، وأنه لا يرتبط ببحث اثبات الواقع به، انما يتم بناءً علي كون مدرك الاستصحاب النصوص دون بناء العقلاء، فإنه لا تفاوت بين بنائهم علي العمل علي وفق الحالة السابقة وبنائهم علي العمل بالخبر، فإن المناط للعمل فيهما التحفظ علي نظامهم، وأما القاعدة الكلية التي يرجع اليها عند الشك فلا تنطبق علي ما يعبر عنه بالاستصحاب في السيرة العقلائية، الذي ليس معناه الإ الجري العملي علي وفق الحالة السابقة.
وعليه، فإن خروج الاستصحاب عن شمول الايات تخصصاً وإن كان تاماً الا ان الحقيق في وجهه ما مر من استاذه المحقق الشيخ الاصفهاني قدس سره، او ما افاده المحقق النائيني قدس سره علي ما مر تفصيلاً.
وأما ما افاده بالنسبة الي عدم تمامية ردع بنائهم علي الاستصحاب بأدلة اعتبار البرائة والاحتياط، من كون دليلهما في عرض دليل الاستصحاب فلا يصلح معه للرادعية عنه.
فهذا ايضاً لا يمكن المساعدة عليه.
لما مر من ان ادلة البرائة والاشتغال، انما يتكفل اعتبارهما اما شرعاً اذا كانت شرعية او عقلاً اذا كانت عقلية.
ولكن الاستصحاب المبحوث عنه انما هو دليل بحسب السيرة العقلائية وهما يختلفان بحسب السيرة العقلائية وهما يختلفان بحسب وعائهما، فإن وعاء السيرة غير وعاء العقل او وعاء الشرع، والعرضية انما يتصور اذا فرض كون الدليلين في وعاء واحد ككونهما شرعيين او عقليين، وأساس نظره في المقام وحدة الموضوع في الاستصحاب والبرائة والاشتغال وهو الشك. ولكن قد مر من انه ليس جريهم علي وفق الحالة السابقة، جري في مقام رفع التردد والشك، بل جري من جهة حفظ نظامهم، ولذلك لو ثبت الاستصحاب بمقتضي السيرة فإنما هو امارة علي وزان خبر الثقة نعم، هو دليل في مقام رفع الحيرة ورفع الشك في الأدلة الشرعية، وكذا في الأدلة العقلية.
نعم. ان قوله في آخر كلامه من ان ادلة الاستصحاب مقدمة علي ادلة هذه الأصول تام اذا رجع الي كونه امارة بمقتضي السيرة، فيقدم علي الاصول الشرعية والعقلية، لأن موضوعهما فقدان الحجة والاستصحاب حجة في الفرض.
ولكن نظره ليس ذلك ظاهراً كما سيأتي منه ان البناء علي الحالة السابقة ولو بمقتضي التعبد يوجب رفع الحيرة فيرتفع به موضوع البرائة والاشتغال وهو الشك.
وسيأتي مزيد الكلام في محله.