بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نود
قال السيد الاستاذ قدس سره:
«ان النقض في باب الاستصحاب هل يعقل ان يتعلق باليقين أو لا ؟ والكلام في ذلك بعد الفراغ عن قابلية اليقين في حد نفسه لتعلق النقض به، كما عرفت ذلك بملاحظة وحدته الاستمرارية.
وتحقيق الكلام:
هو ان النقض في باب الاستصحاب لا معنى لان يتعلق باليقين أصلا وذلك:
لان نقض اليقين - على ما عرفت - يرجع إلى عدم وحدته الاستمرارية وتخلل العدم بينها.
وعليه نقول:
ان لدينا يقينين:
أحدهما: اليقين بالوجود الفعلي للشئ، وهذا لا شبهة في انتقاضه بالشك بقاء أو اليقين بالخلاف.
لان اليقين بوجود الشئ له وحدة استمرارية، فإذا زالت بقاءا بالشك أو باليقين بخلافه فقد اختلت الوحدة، ويتحقق الانتقاض، ولذا لا يجتمع اليقين بالوجود الفعلي مع الشك فيه أو اليقين بعدمه، لان أحدهما ناقض للاخر.
والاخر: اليقين الفعلي بالوجود السابق وهذا لا ينتقض بالشك في الوجود الفعلي بقاءا أو اليقين بعدمه بقاءا، بل قد يجتمعان في آن واحد كما لا يخفى.
بل لا يكون اليقين بوجوده فعلا استمرارا لليقين بالوجود السابق، إذ قد يحصلان في آن واحد، فلا معنى لان يكون أحدهما استمرارا للاخر.
وسر ذلك:
ان وحدة اليقين بلحاظ وحدة متعلقه، فإذا اختلف المتعلق اختلف اليقين. فاليقين يوم السبت بعدالة زيد يوم الجمعة واليقين بعدالته يوم السبت فردان لليقين لاختلاف متعلقهما، ولأجل ذلك لا يكون اليقين بعدم العدالة يوم السبت ناقضا لليقين يوم السبت بعدالته يوم الجمعة، لعدم اخلاله بوحدته الاستمرارية، كيف ؟ وقد يجتمعان معا في آن واحد.
وإذا اتضح ذلك فنقول:
ان كان المأخوذ في باب الاستصحاب هو اليقين السابق بالوجود الفعلي، كان الشك بقاء ناقضا له لاخلاله باستمراره، فصح ان يسند النقض إلى اليقين.
ولكن الامر ليس كذلك، فان المأخوذ هو اليقين الفعلي بالوجود السابق، سواء كان يقين سابق بالوجود الفعلي أم لم يكن، ولذا قد يحصل الشك في البقاء قبل اليقين بالحدوث.
ومثل هذا اليقين لا يكون الشك ناقضا له - كما عرفت -.
فلا معنى للنهي عن نقضه به. فلا محيص عن أن يكون المسند إليه النقض هو المتيقن نفسه بلحاظ انقطاع استمراره بوجود الرافع المشكوك. ويكون التعبير باليقين طريقيا على ما يأتي بيانه في الجهة الثالثة.
واما ما أفاده الشيخ ( رحمه الله ) - في ذيل كلامه السابق - من عدم اسناد النقض إلى اليقين بل إلى المتيقن فان أراد به:
عدم قابلية اليقين في حد نفسه لاسناد النقض إليه - كما هو ظاهر عبارته -، فقد عرفت أنه قابل لذلك بلحاظ الاستمرار فيه.
وان أراد به: ما ذكرناه من أن اليقين في باب الاستصحاب لا معنى لاسناد النقض إليه، فهو تام كما عرفت.
واما ما أفاده صاحب الكفاية في كلامه عن مادة النقض: ـ من الايراد على نفسه والجواب عنه ـ فهو مما لا ينبغي ان يصدر من مثل صاحب الكفاية. وذلك:
فان ما ذكره تحت عنوان: " ان قلت ":
- من أن النقض الحقيقي لا يتعلق باليقين، إذ اليقين بالحدوث لا ينتقض، وانما يبتني صدق النقض على فرض تعلق اليقين بالبقاء مسامحة كي ينتقض بالشك بقاء، وذلك انما يكون فيما إذا كان متعلق اليقين ذا اقتضاء للبقاء، بحيث يكون اليقين بحدوثه يقينا ببقائه مسامحة -. يظهر منه انه صحيح في نفسه، لكن تخلص عنه بان هنا وجها آخر لصدق النقض، وهو تجريد متعلق اليقين والشك عن خصوصية الزمان وملاحظتهما أمرا واحدا
بإلغاء اختلافهما زمانا.
والذي نراه عدم سداد كل من الايراد وجوابه.
اما الايراد:
فلما عرفت من أن النقض لا يعقل ان يتعلق باليقين بنحو من الانحاء، إذ موضوع الاستصحاب هو اليقين الفعلي بالوجود السابق، وهو لا ينتقض حقيقة ولا مجازا بالشك، وليس الموضوع هو اليقين بالوجود الفعلي حتى يتصور اليقين المسامحي بالبقاء عند تعلق اليقين بالحدوث، فيسند إليه النقض بلحاظ منافاته مع الشك.
هذا، مع أن هذا اليقين المسامحي لا يزول بالشك، لأنه مبني على المسامحةوالفرض، وهو لا يتناقض مع وجود الشك حقيقة بالوجود الفعلي. فتدبر.
واما الجواب عنه:
فلم يعرف له معنى محصل، إذ مع فرض تجريد متعلق اليقين والشك عن خصوصية الحدوث والبقاء والغاء جهة اختلافهما زمانا، كيف يعقل اجتماع اليقين والشك كي ينهى عن النقض بالشك ؟.
والمفروض ظهور الدليل في موضوعية كل من اليقين والشك بوجودهما الفعلي بحيث يظهر منه فرض اجتماعهما في آن واحد.
هذا إذا فرض تعلق الشك بما تعلق به اليقين.
وان أريد تعلق كل منهما بالطبيعة بنحو الموجبة الجزئية، فاجتماعهما في آن
واحد ممكن، إذ يمكن أن يكون متعلق الشك الطبيعة بلحاظ حصة، ومتعلق
اليقين نفس الطبيعة بلحاظ حصة أخرى.
ولكنه راجع إلى اختلاف المتعلقين، وتعلق الشك بغير ما تعلق به اليقين، وفي مثله لا يصدق النقض والبقاء كما لا يخفى.
وجملة القول: ان ما أفاده صاحب الكفاية ههنا غير وجيه.
فالمتعين ما ذكرناه من المنع عن تعلق النقض باليقين - في باب الاستصحاب -، ولا بدية
رجوعه إلى المتيقن.
ولا يخفى:
انه لا يختلف الحال فيما ذكرناه بين الالتزام باختصاص الاستصحاب بمورد الشك في الرافع أو عمومه لمورد الشك في المقتضي، فلاحظ [1].
ويمكن ان يقال:
ان بيان المقصود في المقام يبتني علي ذكر مقدمات:
الاولي: ان اليقين صفة نفسانية وحالة تحدث في النفس بمقتضي قيام ما يوجب الجزم، وإذا حصل في النفس فليس وجوده آنياً ودفعياً، لأن لصفات النفس قرار واستقرار الي ان يحدث ما يرفعه، فاليقين مع قطع النظر عن متعلقه له استقرار في النفس، ولا تزول هذه الصفة المستقرة الا بقيام ما يوجب رفعه ونقضه، فالبقاء طبيعي لليقين، كالشجاعة والسخاوة وامثاله.
المقدمۀ الثانية:
ان اليقين كالشك والعلم والحب من الامور ذات الاضافة، ولا يمكن تصوير تحققه بلا طرف وبلا متعلق، كما نبه به السيد الخوئي قدس سره. وعليه فإن اليقين الملحوظ في باب الاستصحاب هو الطريق الي متعلقه ولا موضوعية له، الا ان متعلق اليقين كالعدالة والطهارة وامثالها قابل للادراك فغير اليقين ايضاً كالظن، ولكن الملحوظ في باب الاستصحاب المتعلق الذي يدرك باليقين، اي كان طريق ادراكه اليقين، والمتيقن وهو متعلق اليقين انما يكون ملحوظاً في حالة اليقين دائماً لا يمكن التفليك بين لحاظه ولحاظ اليقين خارجاً.
نعم: يمكن لحاظ اليقين بذاته في صقع النفس ولحاظ ما يترتب عليه بما انه من صفات النفس ولكن في مقام تصويره خارجاً ولحاظه طريقاً لا ينفك عن المتعلق.
المقدمة الثالثة:
ان قوام الاستصحاب ـ علي ما مر بيانه ـ انما يكون باليقين السابق والشك اللاحق، والمراد باليقين السابق، اليقين الفعلي بالوجود السابق. وهذا اليقين يلزم ان يكون فعلياً في حال الشك.
واليقين الفعلي بالوجود السابق، والشك الفعلي بالوجود الفعلي وإن كانا مختلفين بحسب المتعلق، حيث ان متعلق اليقين الفعلي الوجود السابق، ومتعلق الشك الوجود اللاحق، الا ان متعلق الشك هو نفس اليقين في مرحلة البقاء وليس وجوداً اخر مغايراً لليقين السابق.
[1]. منتقى الأصول ج6 ص58ـ 60.