بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و دهم
و یمکن ان یقال:
اولاً:
ان ما افاده الشیخ قدس سره من ادعاء الاولویۀ لا يبتني علی العلم بملاکات الاحکام و الوقوف علیها بتمام جهاتها.
بل ان نظره ان مع فرض لزوم ابقاء الیقین عند الشك و لو کان الواقع علی خلافه فإنما یحصل لنا ضابط فی کلام الامام (ع) فی المقام، و هو ان النظر لیس علی الواقع بل النظر علی التحفظ علی الیقین السابق عند الشك فیه بقاًء، و هذا الضابط المستفاد من قوله (ع) لا تنقض الیقین بالشك بل انقضه بقین اخر، انما یقضی وحدۀ الحکم فی صورۀ وقوع تمام الصلاۀ فی النجاسۀ جهلاً مع صورۀ وقوع بعضها فیها. اذا لا فرق بینهما فی جهۀ ابقاء الیقین و عدم الاعتناء بالشك بل الحکم بمقضی ظاهر التعلیل فیهما واحد و هو عدم اعادۀ الصلاۀ.
و لذلك لو قلنا ان مقتضی ابقاء الیقین الاجزاء ای اجزاء ما اتی به علی الیقین السابق عن الواقع یلزم الفرق بین وقوع تمام الصلاۀ فی النجاسۀ فلا یعید و بین وقوع بعضها فیها فیعید من دون تصريح منه علی تعبیر الأولویۀ.
و هذا امر تعرض له فی دفع ما نقله عن استاذه شریف العلماء بقوله:
ربما یتخیل من دون ان یتعرض لحکم المسئلة.
نعم افاد بأن ما استظهره شارح الوافیة مخالف لظاهر الکلام و ظاهر قوله (ع) بعد ذلك: و ان لم تشك ثم رأیته، و هذا ما یظهر منه ان مقتضی ظهور الکلام خلافه.
و یمکن ان یقال:
ان قول السائل: ان رأیته فی ثوبی و انا فی الصلاۀ.
بظاهره لو خلی و طبعه يشمل السؤال عن حکم رؤیۀ النجاسۀ فی اثناء الصلاۀ فی جمیع محتملاته.
منها: - الاحتمال الاول –
ما لو علم انه قد اصابه و لم ادر این هو، ثم رأه فی اثناء الصلاۀ.
و هذا الاحتمال له سبق فی کلام الراوی بقوله: قلت: فإنی قد علمت انه قد اصابه و لم ادر این هو فاغسله؟ الا ان الراوی انما یسئله ناظراً الی کیفیۀ التغسيل، فأجابه الامام (ع) تغسل من ثوبك الناحیۀ التی تری انه قد اصابها حتی یکون علی یقین من طهارتك، لأن الیقین بالطهارۀ انما انتقض بالیقین بالنجاسۀ فی الفرض فیلزمه تغسیل محتملات النجاسۀ فی مواضع الثوب و هی الناحیۀ التی رأی انه قد اصابها تحصیلاً للیقین بالطهارۀ.
و هذا السؤال و جوابه و ان کان عن کیفیۀ التطهير و لیس ناظراً الی بیان حکم الصلاۀ فیه الا ان سبقه بالذکر قابل للقرینیۀ فیما یذکر بعده.
و منها: - الا حتمال الثانی –
ما لو شك فی اصابۀ الثوب بعد یقینه بطهارته فصلی و رأی فی اثناء الصلاۀ النجاسۀ التی شك فی اصابتها قبل الصلاۀ.
و منها: - الاحتمال الثالث-
ما لو شك فی اصابۀ الثوب بعد یقینه بطهارته فصلی و رأی فی اثناء الصلاۀ نجاسۀ یحتمل کونها هی ما شك فیها قبل الصلاۀ و یحتمل کونها ما عرض علی الثوب حال الصلاۀ.
و منها: - الاحتمال الرابع-
ما لو کان علی یقین من طهارته فصلی من دون ای شك فی اصابۀ النجاسۀ بثوبه، ثم رأی فی اثناء الصلاۀ نجاسۀ علی ثوبه یحتمل کونها عارضۀ علی الثوب حال الصلاۀ کما یحتمل کونها عارضۀ علیه قبلها.
فالسؤال انما یحتمل هذه الاحتمالات الاربعۀ فیه.
وجواب الامام (ع) يشتمل بيان الحكم في الموردين:
1 ـ قوله (ع): تنقض الصلاة وتعيد اذا شككت في موضع منه ثم رأيته.
وهو يحتمل امرين:
الاول: كون مورد الجواب ما لو كان علي يقين من طهارة ثوبه قبل الصلاة وشك في اصابة النجاسة في ظرفه فآتي بالصلاة ورآي في الاثناء النجاسة التي كان علي شك في اصابتها قبل الصلاة.
وهذا ما يظهر من الشيخ وقواه السيد الخوئي قدس سره.
الثاني:
ان يكون مورده ما لو كان علي يقين من طهارة ثوبه ثم علم انه قد اصابه النجس ولم يدر اين هو اي لا يعلم نقطة الاصابة وإن كان علم الاصابة ثم دخل في الصلاة فرآها.
وهذا ما احتمله شارح الوافية ونقل عن شريف العلماء.
ويقوي هذا الاحتمال ـ اي الاحتمال الثاني في الجواب ـ ان ما سئله زرارة بقوله: ان رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة، سؤال عن حكم الصلاة فيه بعد سؤاله ـ في الفقرة الرابعة من الصحيحة ـ
بقوله: فإني قد علمت انه قد اصابه، الا انه سئل هناك عن كيفية التطهير في فرضه، دون حكمه، وسؤاله هنا عن حكم الصلاة فيه في نفس الفرض، اذ ليس بين سؤاله هنا وسؤاله هناك ما يظهر منه السؤال عن الحكم، لأن في الفقرة الخامسة انما يسئل عن لزوم الفحص في فرض السؤال في الفقرة الرابعة، فالسؤال هنا عن كيفية الصلاة في نفس الفرض اي نفس الفرض في السؤال في الفقرة الرابعة وهو قوله: فإني قد علمت انه قد اصابه ولم ادر اين هو فاغسله، فسئل بعد ذلك هنا ان رأيته في ثوبي، اي رأيت ما علمت انه قد اصابه.
فأجابه الامام (ع): تنقض الصلاة وتعيد.
وبهذا البيان ليس فيه خلاف لظاهر الرواية، بل هي مقتضي الظهور بملاحظة الفقرتين السابقتين حسب ما عرفت.
ومما يؤكد هذا الاحتمال قول الامام (ع) تنقض الصلاة وتعيد اذا شككت في موضع منه ثم رأيته، الظاهر في ان الرؤية كانت بعد حصول الشك في اصابة النجاسة بموضع من الثوب. والشك في موضع منه ظاهر في سبقه بالعلم بأصل الإصابة، اذ لولا احراز اصل الاصابة لا معني للشك في موضع الاصابة، بل الشك يسند الي اصابة الثوب دون موضع منه اذ لا يلاحظ الموضع من الثوب بعد مفروضية اصل الاصابة.
وهذا الاستظهار قوي ولعله هو الاساس لما استظهره شارح الوافية.
ويقوي الاحتمال الثاني:
قول الامام (ع) بعد ذلك: وإن لم تشك ثم رأيته رطباً قطعت الصلاة وغسلته، ثم بنيت علي الصلاة معللاً:
بقول (ع): لأنك لا تدري لعله شئ اوقع عليك، فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك.
حيث ان تعليل الامام (ع) بذلك ظاهر في ان الوجه لعدم الاعادة وصحة الصلاة احتمال عروض النجاسة حال الصلاة.
ولذلك افاد الشيخ قدس سره فيما مر من كلامه في دفع استظهار صاحب الوافية:
«... وهو مخالف لظاهر الكلام، وظاهر قوله (ع) بعد ذلك:
وإن لم تشك ثم رأيته.»
ويظهر من السيد الخوئي ايضاً استظهار لزوم الاعادة اذا رآي في اثناء الصلاة النجاسة وعلم انها هي التي كان علي شك في اصابتها قبل الصلاة بمقتضي دلالة الجواب الثاني من الامام (ع) فإنه قدس سره بعد ما افاد بأن منطوق هذا الكلام من الامام عدم الاعادة وصحة الصلاة فيما لو رآي في اثناء الصلاة النجاسة وكان يشك في انها اصابت قبل الصلاة أو حينها الا انه يستفاد منها ـ لا بدلالة المنطوق ـ لزوم الاعادة اذا علم ان النجاسة التي رأها هي التي كانت علي شك منها قبل الصلاة، ولعل نظره الي ان مقتضي قول الامام (ع) ذلك او ان ظهوره فيما افاد يقتضي ذلك. ولم يذكر ان دلالة المفهوم من القول المذكور يقتضي ذلك.
مع ان استظهاره لجواب الاول من الامام (ع) ان قوله تعيد الصلاة انما يرجع الي صورة حصول العلم الاجمالي بالنجاسة والشك في موضعه حسب ما عرفت من كلامه.
ويمكن ان يلاحظ فيه:
ان الامام (ع) في الجواب الثاني اي في الصورة الثانية التي بينها الامام (ع) كان في صدد بيان حكم الصلاة فيما لو رأي النجاسة في الاثناء، وكان يحتمل اصابتها حين الصلاة، وقوله (ع) في مقام بيان العلة لصحة الصلاة، لأنك لا تدري لعله شئ اوقع عليك، تأكيد علي ذلك بعد قوله (ع) وإن لم تشك ثم رأيته رطباً، حيث ان التقييد بكون المرئي رطباً انما يدل علي قوة احتمال عروضه حين الصلاة.
وعليه فإن الامام (ع) لم يتعرض هنا اي في فرض السؤال لصورة ما لو علم ان ما رأها في اثناء الصلاة هي النجاسة التي شك فيها قبل الصلاة، اي لم يتعرض لهذا الاحتمال في بيان الجواب اصلاً.
وهذا الاحتمال وإن كان يجيئ في السؤال، ولكن الامام (ع) لم يتعرض لجوابه لأنه (ع) يري ان جوابه كان معلوماً لدي زرارة الذي هو السائل عنه في الفقرة الاولي، فإن الامام (ع) بيّن هناك بأنه يكفي في صحة الصلاة البناء علي الطهارة السابقة حتي اذا وقعت الصلاة بتمامها في النجاسة جهلاً، وعليه فلا ابهام في الحكم فيما اذا وقع بعضها في النجاسة كذلك.
فإن قلت:
علي ذلك لا يحتاج الامام الي بيان الجواب عن صورة عدم العلم بكون النجاسة هي النجاسة السابقة المشكوكة ايضاً، لأنه اذا لم تكن الصلاة في النجاسة غير ضائر بصحتها جهلاً، فلا ضير صحتها اذا احتمل عروضها في اثناء الصلاة.
قلت:
ان المهم في سؤال زرارة هنا ليس هذه الجهة، لأن زرارة انما سمع من الامام (ع) قبل ذلك صحة الصلاة الواقعة في النجاسة بناءً علي اليقين بالطهارة في حال الجهل بها والحيثية التي اوجبت سؤاله عن الامام عن المقام حيثية رؤيتها في اثناء الصلاة، بأنه كيف يعامل معها، فإنه كان قبل رؤيتها علي يقين من طهارته، وأما بعد رؤيته فإنما يحصل له العلم بنجاسة الثوب وزال اليقين بالطهارة وجداناً، فكيف يعامل مع هذه الصلاة هل أقطعها وآتي بها بعد تطهير الثوب او له طريق اخر للاتيان بها صحيحاً.
هذا مع:
ان رطوبة النجاسة الظاهرة في قوة اصابتها اثناء الصلاة لا تدل علي تحقق الاصابة حين الرؤية، بل تعم كون الاصابة قبلها ولو بقليل، ومعه فإنما وقع بعض الصلاة في النجاسة فالاصابة سابقة علي الرؤية، ومع الرؤية كان يعلم انه اتي ببعض الصلاة ولو قليلاً في النجاسة، ولا فرق بين القليل والكثير في ذلك اي وقوع بعض قليل من الصلاة في النجاسة كالركعة الاخيرة او وقوع بعض كثير كالصلاة فيها من ابتداء الدخول فيها.
ولا فرق بينهما من جهة البناء علي الطهارة السابقة حين الدخول في الصلاة، لأنه ان كان علي يقين من الطهارة من دون ان يشك في طهارة ثوبه قبل الدخول في الصلاة فإنما دخل فيها بالطهارة الوجدانية، وإن دخل فيها مع الشك في نجاسة الثوب فإنها دخل فيها بالطهارة الاستصحابية، فلا تفاوت بين الموردين من جهة الصحة وعدم الاعادة.
والحاصل:
انه يقوي بالنظر ظهور الصورة الاولي من جواب الامام (ع) فيما استظهره صاحب الوافية من دون ان يرد عليه اشكال كونه خلاف الظاهر لما عرفت من انه عين الظاهر.
وظهور الصورة الثانية من جوابه (ع) فيما لو دخل في الصلاة علي يقين من الطهارة ثم رأي النجاسة في اثنائها.
ويحتمل كونها سابقة علي الصلاة كما يحتمل كونها عارضة في الاثناء والحكم فيها صحة ما اتي به من الصلاة وتطهير الثوب والاتيان به في الصلاة مع عدم تحلل المنافي، ولا مفهوم فيها بالنسبة الي صورة العلم يكون النجاسة سابقة ولا تعرض لها، ولا حاجة الي تبيين حكمها لما مر من تبيين حكمها سابقاً في الفقرة الاولي.
ومن المهم ان الرواية لها لسان واحد ويكون كل فقرة منها يتصل بسائر الفقرات ومبين لما فيها قرينة ولا وجه للحاظ كل فقرة منفصلاً عن الباقي.
هذا ثم انه
لو التزمنا بتمامية مقالة الشيخ وظهور الصورة الثانية من جواب الإمام في الفقرة السادسة في لزوم الاعادة وعدم الصحة اذا علم ان ما رآه من النجاسة هي ما شك فيها قبل الصلاة، او التزمنا بدلالة قول الامام (ع) في الجواب الثاني علي لزوم الاعادة في نفس الصورة بأي وجه فإنما يشكل الاستدلال بالصحيحة لتعارض ذيلها مع صدرها اذ لا يتم القول والالتزام بعد لزوم الاعادة فيما اذا صلي علي يقين من الطهارة في النجاسة جهلاً تماماً، اي بتمام الصلاة ولزوم الاعادة اذا صلي في النجاسة جهلاً في بعضها.
ولا يتم ما مر من السيد الخوئي قدس سره في دفع المعارضة بعدم اطلاعنا علي ملاكات الاحكام، وانما نلتزم تعبداً بما كان كلام الامام ظاهراً فيه.
لما مر من ان الصحيحة في مقام تبيين الضابطة للدخول في الصلاة من حيث اشتراط الطهارة وتبيين الكبري الكلية المنطبقة علي الضابطة المذكورة في المقام، وهو عدم نقض اليقين بالشك، الذي هو امر ارتكازي بحسب ظاهر الصحيحة المعلوم بين الامام (ع) وزرارة، ومثل هذا التبيين لا يقبل مثل هذا التناقض الظاهر.
نعم:
ربما يدفع الاشكال المذكور بعدم الالتزام بالدلالة السياقية وعدم قرينية سائر الفقرات للباقي منها، بل كل فقرة تلاحظ بحسب الاستدلال علي ما خلي وطبعها.
ولكن هذا المبني من عدم تماميتها لا يدفع الاشكال عن الاستدلال بذيل الصحيحة، اي الفقرة السادسة، وينحصر مورد الاستدلال بصدرها، ثم انه قد ظهر بما حققناه عدم تمامية ما افاده الشيخ قدس سره فيما مر من كلامه:
«لكن تفريع عدم نقض اليقين علي احتمال تأخير الوقوع يأبي عن حمل اللام علي الجنس فافهم».
وذلك:
لأن نظره وان كان ظهور قول الامام (ع) في بيان حكم المورد، ويستبعد معه ظهوره في بيان الكبري الكلية، الا انه قد ظهر ان الامام انما اجاب في فرض سؤال السائل عن الاحتمالين بل الاحتمالات الثلاثة من الاحتمالات الاربعة ـ التي مر منا في بيان محتملات سؤال زرارة ـ تحت عنوان الكبري الكلية، وفي مقام تطبيقها علي هذه الصغريات.
ويؤكده: قوله (ع) ولا ينبغي لك، الظاهر في تعليله (ع) لكبري كلية ارتكازية، ويشكل معه احتمال حمل اللام علي غير الجنس جداً.
هذا تمام الكلام في دلالة الصحيحة الثانية لزرارة.
وقد عرفت تمامية الاستدلال بها لاعتبار الاستصحاب صدراً وذيلاً.
اما جهة السند فيها.
فرواه الشيخ قدس سره في التهذيب باسناده عن الحسين بن سعيد، وقد عرفت صحة الاسناد في التهذيب.
وقد مر تمامية وثاقة حسين بن سعيد وثقه الشيخ في كتابيه وأنه من الطبقة السادسة، وأما حماد فهو حماد بن عيسي الجهني وثقه الشيخ في كتابيه وقال النجاشي قدس سره: ثقة في حديثه صدوق، وهو من الطبقة الخامسة.
وأما حريز فهو حريز بن عبدالله السجستاني، وثقه الشيخ في الفهرست والعلامة والمجلسي رضوان الله عليهم، وهو من الطبقة الخامسة ايضاً وهو رواه عن زرارة، وهو اجل من التوثيق ومن الطبقة الرابعة والصحيحة وإن كانت مضمرة الا انه لا يضرها الاضمار وقد مر تفصيل الكلام فيه في الصحيحة الاولي له.