بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نوزده
ومراده (قدس سره) ما نقله عن المحقق في المعتبر:
«ان التأخير تعرض لنزول العقاب لو اتفق الموت، فتجب المبادرة صوناً للذمة عن الاشتغال.»
ويمكن ان يقال في تقريب هذا الوجه:
ان مع تأخير الحج عن عام وجوبه يحتمل الابتلاء بترك الواجب، لانه كما يحتمل بقاؤه الى العام المتأخر يحتمل موته، فلو مات يبتلي بعقوبة ترك الواجب، وعدم فراغ ذمته عن تكليف الحج وبقاء اشتغالها بموته فيلزمه التحفظ على غرض المولى بالتحفظ على هذا الاحتمال، وهو بيان للاحتياط في المقام الا ان الوجه له العقل، ولعل نظر السيد الخوئي (قدس سره) بكفاية حكم العقل بوجوب المبادرة الى ذلك.
ولكن حد الحكم العقلي في المقام. ادراك القوة العاقلة حسن الاهتمام المزبور بما انه اهتمام في طاعة المولى وحيث ان العقل مستقل بحسن الطاعة وقبح العصيان من باب استقلاله بحسن العدل و قبح الظلم، فانه لا شبهة في ان كل ما اتى به العبد في مقام اطاعة المولى والتحفظ على اغراضه ولو المحتملة منها حسن عنده. ولكن العقل في المقام لا يدرك في التكاليف الموسعة التي لها افراد بحسب الزمان، ان العبد اذا لم يات بالفرد الاول مع علمه او وثوقه بامكان إتيانه بالفرد الثاني او الافراد المتأخرة، قبح التأخير، ليستفاد منه الالزام، نعم التعجيل في هذا المقام عنده حسن، كما ان الاحتياط في مقام التحفظ على اغراض المولى في كل مورد محكوم عنه بالحسن، واما قبح ترك هذا التعجيل، وترك الاحتياط فليس مما يستدل به العقل.
تعم يتم تقريب المحقق في الواجبات المضيقة دون الموسعة، حيث ان العقل مستقبل بقبح تركه لانه ليست للمكلف الفرصة للاتيان بها في وقت آخر اذ ليس في الواجبات المضيقة افراد بحسب الزمان فهي كصوم شهر رمضان فيلزم المبادرة على اول الوجود، اذا امكن تصوير البداية فيه.
ولذلك نرى ان المحقق (قدس سره) في المعتبر بعد تقريب الوجه العقلي افاد:
«وبقول النبي (صلي الله عليه وآله) من مات ولم يحج فلا عليه ان يموت يهودياً او نصرانياً»
ثم افاد بعد ذلك حسب تقرير الشيخ:
«والوعيد مطلقاً دليل التضييق»
ويستفاد منه انه ليس المحقق في صدد تكثير الوجه وانه استدل بالوجه العقلي ثم النقلي وبين استظهاره من النقل، بل ان الاستدلال بالنقل انما كان لاجل ما استظهره من ثبوت الوعيد فيه على تاخير، وان الوعيد المذكور، انما يدل على التضييق في المقام كما هو شان الوعيد في جميع الموارد، فيكون بيان النقل تتميماً للاستدلال العقلي لان بيانه في الاستدلال العقلي انما يتم في الواجبات المضيقة.
ومنه يظهر ان تمام المشكل فيه ثبوت الوعيد في نفس التأخير لانه على ما يستظهر مما نقله عن النبي (صلي الله عليه وآله) انما يثبت في ترك الواجب والتأخير انما يترتب عليه الوعيد اذا انجر الى الترك لا مطلقاً فيصير الدليل اخص من المدعى.
هذا مع انه بالنسبة الى قوله (عليه السلام) ان الوعيد مطلقاً دليل التضييق.
اورد عليه السيد الاستاذ في المرتقى:
أن الوعيد على ترك الحج بقول مطلق بحيث يشمل صورة التأخير لداع عقلائي يقتضي أن يكون الحج مضيقا، لأنه إذا كان واجبا موسعا و أخّره المكلف بانيا على الأداء ثم مات قبل أدائه فلا عقاب عليه لكونه معذورا بعد إن كان الواجب موسعا،
و لذلك لا يلتزم أحد باستحقاق من مات في اثناء وقت الصلاة و لم يؤدها و كان بانيا على أدائها للعقاب، لأنه معذور من قبل الشارع بتوسعة الوقت.
و لكن هذا الكلام لا ينهض دليلا على المدعى و ذلك لأن غاية ما يقتضيه هذا الكلام هو عدم معذورية العبد فى الترك الكاشف عن وجود منجز للتكليف في ظرفه، و هذا إنما يدل على التضييق لو انحصر المنجز بوجوب الفورية و عدم جواز التأخير. أما لو تصورنا منجزا غير هذا الحكم، فلا دلالة له على التضييق، و الأمر كذلك، فإنا نقول: أن الحج و إن كان واجبا موسعا إلا أن تركه الواقعي غير مرغوب لدى الشارع و قد أوضح هذا المعنى بالروايات المزبورة، فإنها تقتضي أنّ المكلف لا يعذر في تركه للحج إذا كان عن تسويف. و هذا لا ينافي كون الحج موسعا في وقته، فالأحكام الثابتة بالروايات ليست إلا أحكاما طريقية لأجل التحفظ عن عدم الوقوع في مخالفة الأمر الواقعي بالحج غير المرغوب شرعا، فهي شبيهة بالأحكام الاحتياطية المجعولة لإدراك الواقع. و مع جعل هذا الحكم الظاهري الطريقي و بيانه يكون التكليف منجزا و لو كان الوقت واسعا.
و بالجملة، الروايات مسوقة لبيان أمر على خلاف القاعدة الاولية فى الواجبات الموسعة و للتنبيه على أن هذا الواجب الموسع لا يشبه سائر الواجبات الموسعة في الأحكام، و لا يخفى أن الحكم الطريقي لا يثبت في صورة العلم بالبقاء و الجزم به، إذ لا يكون التأخير تسويفا و اهمالا لكونه معذورا بالعلم، فلا ينافي التحفظ المطلوب، فلا يشمل صورة العلم بل يشمل صورة التردد التي هي مجرى الاستصحاب، فهو هاهنا غير معتبر و لا يجدي في المعذورية.
و من الواضح أن هذا الحكم الطريقي لا تكون مخالفته من الكبائر؛ بل لو استتبع حكما نفسيّا كان كسائر الاحكام فلا دليل على كون مخالفته من الكبائر.
و هذا المعنى الذي ذكرناه هو الظاهر من الروايات لما عرفت من أن الملحوظ فيها نفي المعذورية من جهة ترك الحج، لا من جهة نفس التسويف و التأخير. و عليه فلا وجه لوجوب الفورية.
نعم، ارتكاز المتشرعة على الفورية، فمن جعله دليلا اعتمد عليه فى الحكم و إلا فلا دليل عليه أصلا و هذا هو ظاهر «الجواهر » إذ ذكر ان العمدة فى الفورية كونه كذلك في نظر أهل الشرع، فلاحظ.
ثم أنه بناء على وجوب الفورية لو اخّره في العام الأول وجب فيما يليه فورا ففورا، إذ ما يقتضي الفورية في العام الأول يقتضيها في العام الثاني و الثالث و هكذا. فتدبر و افهم و اللّه العالم. »[1]
[1]. الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، المرتقى إلى الفقه الأرقى تقرير بحث السيد الروحاني ـ كتاب الحج ـ، ج1، ص 22.