بسمه الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و دو
وقال في موضع آخر في مختلف الشيعة: « مسألة: لو قصرت الصنعة عن الكفاية جاز أن يأخذ مطلقا، وقيل: يعطى ما يتم كفايته.
لنا: إنه مستحق للزكاة فلا يتقدر العطاء بشئ. وما رواه زياد بن مروان، عن الكاظم - عليه السلام - قال: أعطه ألف درهم، وغير ذلك من الأخبار، وقد تقدم بعضها . احتج المخالف بأنه مستغن فلا يستحق شيئا . أما المقدمة الأولى: فلأنا نبحث على تقدير اكتفائه بالمدفوع إليه . وأما الثانية: فظاهرة. والجواب: الاستغناء إنما يكون بعد الدفع، ونحن نمنع حينئذ من الإعطاء.»[1]
و قال في منتهي المطلب: «[ السابع ] لو كان معه ما يقصر عن مؤنته وقومه وقوت عياله حولا جاز له أخذ الزكاة لأنه محتاج ولا يتقدر بقدر وقيل أنه لا يؤخذ زائدا عن تتمة المؤنة حولا وليس بالوجه.»[2]
قال ايضاً في منتهي المطلب: « الثالث: يجوز أن يعطى الفقير ما يغنيه وما يزيد على غناه . وهو قول علمائنا أجمع، وبه قال أصحاب الرأي. وقال الثوريّ، ومالك، والشافعيّ، وأبو ثور: يعطى قدر ما يغنيه من غير زيادة. وبه قال أحمد في إحدى الروايتين، وفي الأخرى: لا يجوز أن يدفع إليه قدر غناه بل دونه. لنا: ما رواه الجمهور عن النبيّ صلَّى الله عليه وآله أنّه قال: « خير الصدقة ما أبقت غنى ». ومن طريق الخاصّة: ما رواه الشيخ عن سعيد بن غزوان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة ؟ قال: « أعطه من الزكاة حتّى تغنيه ». وعن زياد بن مروان، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: « أعطه ألف درهم ». وعن بن عمّار، عن أبي عبد الله عليه السلام . قلت: خمسمائة ؟ قال: « نعم، حتّى تغنيه » . وعن عمّار بن موسى، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه سئل، كم يعطى الرجل من الزكاة ؟ قال: قال أبو جعفر عليه السلام: « إذا أعطيته فأغنه ». ولأنّه بدون الغنى يستحقّ الأخذ، فيجوز الدفع إليه . ولأنّ الغارم والمكاتب وابن السبيل يدفع إليهم قدر كفايتهم، فكذا الفقير، وهذا يبطل قول أحمد الثاني . احتجّ المانع بأنّ الغنيّ يمنع ابتداء، فكذا مقارنه. والجواب: المنع من الدفع إلى الغنيّ لا يستلزم المنع من دفع ما يصير به غنيّا . نعم، لو دفع إليه ما يصير به غنيّا حرم عليه الزائد.»[3]
وقال الشهيد الاول في الدروس الشرعية في فقه الامامية: «ويجوز أن يعطى جامع الأسباب بكلّ سبب، وإغناء الفقير لقول الباقر (عليه السّلام): إذا أعطيته فأغنه، نعم لو تعدّد الدفع حرم الزائد على مئونة السنة.»[4]
وقال في البيان: «ويأخذ الفقير والمسكين غناهما دفعة، وذو التكسب القاصر على خلاف، وقيل يأخذ التتمة وهو حسن، وما ورد في الحديث من الإغناء بالصدقة، محمول على غير المتكسب.»[5]
وقال أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: «ويجوز أن يعطي الفقير الواحد ما يغنيه ما لم يكن هناك جماعة من الفقراء.»[6]
وهنا نكات يلزم الدقة فيها:
1 – ان محل الكلام في هذه الفتاوى الحد الذي يتوهم رعايته في اعطاء الزكاة نقيصةوزيادة وبيان قدر الاقل الذي يجوز ان يعطى فيها وكذا الاكثر. وببيان اخر هل هنا حد يلزم رعايته في اعطاء الزكاة، ام لا؟ فالتزموا بعدم تقدير حد وانه في بعضها يلزم ان لايعطي اقل مما يجب في نصاب.
2 – ان ظاهر الكلمات في مقام تحديد الاكثر جواز دفع الزكاة للفقير بما يغنيه او ان كان فيه غناه واستندوا الى الاخبار الواردة بلسان: «اعطه من الزكاة حتى تغنيه.»
3- ان الغني في كلماتهم في المقام انما يرد منه ما يراد من الغني في الاخبار الواردة في المقام وهو الغني الشرعي حسب ما مر استظهاره.
والشاهد عليه هنا ما افاده العلامة (قدس سره):
« ولا حد لأكثر ما يعطى فإنه يجوز أن يعطى الواحد ما يزيد على غناه دفعة واحدة ولو أعطاه ما يغنيه حرم عليه أن يعطيه الزيادة »
فانه صريح في كون المراد من الغنى الغنى الشرعي، لان في مورد يتصور ما يزيد على غناه ولا معنى لدفع الزيادة على الغنى العرفي، ويشهد عليه ايضاً ما افاده من انه لو اعطاه ما يغنيه حرم عليه ان يعطي الزيادة اي الزيادة على معناه الظاهر في الزيادة على ما يسعه ويكفيه في مؤونة سنته. كما يشهد ما افاده المحقق الحلي في المعتبر قال: «لا حد لاكثر ما يعطي الفقير ومنه جماعة من الجمهور ذلك واقتصروا على ما لا يبلغ حد الغنى»
4 – انه قد عرفت تداول الاستناد في كلمات بعضهم (قدس سره) بانه يتفاوت الامر في اعطاء بين كونه دفعة واحدة او دفعات، والظاهر التزامهم في الاول بجواز الاعطاء بما هو ازيد من مؤونة سنته المعبر عنه بغناه في كلماتهم بخلاف الاخير.
وذلك: بالاستناد الى ما يعبر في كلماتهم بالفاظ مختلفة:
منها: ما في المعتبر عن المحقق في مقام الجواب عن منع الجماعة من الجمهور و اقتصارهم على ما لا يبلغ حد الغنى: «وهو تمسك ضعيف لان المنع من تسليم الزكاة الى الغني لا يستلزم المنع من دفع ما يصير به غنياً، واستنده بالاخبار الواردة مثل قوله (عليه السلام) «اعطه من الزكاه حتى تغنيه».
ومنها: ما في المختلف: «احتج المانعون بأنه يستلزم إعطاء المتمكن من الهاشميين الزكاة وهو حرام إجماعا إذ مع حصول الكفاية تحرم الزيادة لو تعقبت، وكذا إذا قارنت إذ لا فارق. والجواب: المنع من نفي الفارق كما في الفقير غير الهاشمي.»ومنها: ما في مواضع اخر من المختلف . « لو قصرت الصنعة عن الكفاية جاز أن يأخذ مطلقا، وقيل: يعطى ما يتم كفايته.
لنا: إنه مستحق للزكاة فلا يتقدر العطاء بشئ . وما رواه زياد بن مروان، عن الكاظم - عليه السلام - قال: أعطه ألف درهم، وغير ذلك من الأخبار، وقد تقدم بعضها . احتج المخالف بأنه مستغن فلا يستحق شيئا . أما المقدمة الأولى: فلأنا نبحث على تقدير اكتفائه بالمدفوع إليه . وأما الثانية: فظاهرة . والجواب: الاستغناء إنما يكون بعد الدفع، ونحن نمنع حينئذ من الإعطاء.»ومنها: ما افاده في المنتهى:
«... والجواب المنع عن الدفع الى الغني لايستلزم المنع من دفعه ما يصير به غنياً نعم لو دفع اليه ما يصير به غنياً حرم عليه الزائد.»
5 – ان ادعاء الاجماع او ما يشبهه انما جاء في كلامين:
1 – ما عن السيد صاحب الغنية «ويجوز ان يدفع منها الكثيرة وان كان فيه غناه بدليل الاجماع المذكور».
2- ما افاده العلامة في المنتهى «يجوز ان يعطي الفقير ما يغنيه وما يزيد على غناه وهو قول علمائنا اجمع» .
وفي القبال: قد مر في كلام الفاضل الآبي: «قال علم الهدى في جمل العلم والعمل:
يجوز ان يعطي الواحد القليل والكثير من غير تحديد واختاره المتاخر وهو اشبه. وفتوى النهاية اظهر بين الاصحاب والتحديد في الدرهم والدينار خاصة.»
وقد عرفت في النهاية التحديد في الاقل واما في الاكثر فافاد الشيخ (قدس سره): «وليس لاكثره حد ولاباس ان يعطي الرجل زكاته لواحد يغنيه بذلك». فان المستفاد منه اظهرية فتوى النهاية بين الاصحاب، وليس فيما افتى به جواز الاعطاء بما هو اكثر من غناه كما ادعاه العلامة، وافاد انه قول علمائنا اجمع كما قد عرفت ان اجماع الغنية مطابق لما اختاره في النهاية.
6- ان في بعض الكلمات التقييد في دفع ما يغنيه مثل ما افاده ابو الصلاح الحلبي قال: «ويجوز ان يعطي الفقير ما يغنيه مالم يكن هناك جماعة من الفقراء» ومعناه ان مع وجودهم لايجوز الاعطاء حتى بقدر ما يغنيه.
وفي القبال الالتزام بنفس ما افاده العلامة مثل ما عن الدروس: « نعم لو تعدّد الدفع حرم الزائد على مئونة السنة.» وهو صريح في جواز الاعطاء الزائد عن مؤونة السنة دفعه كما مر.
[1] . العلامة الحلي، مختلف الشيعة، ج3، ص222.
[2] . العلامة الحلي، منتهي المطلب(ط-ق)، ج1، ص518.
[3] . العلامة الحلي، منتهي المطلب(ط-ج)، ج8، ص400-402.
[4] . الشهيد الاول، الدروس الشرعية في فقه الامامية، ج1، ص243.
[5] . الشهيد الاول، البيان(ط-ج)، ص311.
[6] . أبو الصلاح الحلبي، الكافي في الفقه، ص172.