بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و يك
واما افاده المحققق العراقي (قدس سره) قام في دفع الاشكال وان امكن تتميم ما افاده بما قرره السيد الاستاذ (قدس سره) من انه لا وجه للالتزام بان حديث الرفع يتكفل التنزيل بعد ما عرفت من تصوير تعلق الرفع حقيقة بالفعل المعروض للعناوين المذكورة في الحديث بملاحظة كون الرفع في عالم التشريع والجعل، وان المحقق النائيني (قدس سره) ممن التزم بهذه المقالة وانه اذا كان حديث الرفع يتكفل رفع معروض هذه العناوين حقيقة، فلا فرق بين الفعل والترك وانه كما يرفع الفعل في عالم التشريع يرفع الترك ايضاًبملاحظة رفع اثه، فلا يكون رفع الترك مساوقاً للوضع فما افاده المحقق النائيني في المقام هدم لما شيده قبل قليل.
نعم مع التسلم والالتزام بان حديث الرفع يتكفل التنزيل فلا محذور في شموله للترك لان تكفله في التنزيل المزبور اي تنزيل العدم منزلة الوجود انما هو في خصوص عدم ترتب الآثار الشرعية المترتبة علي المعدوم لا في ترتب اثر موجود كي يكون الرفع في المقام وصفاً ولايتكفله الحديث كما حققه المحقق العراقي (قدس سره).
هذا مع انه افاد سيدنا الاستاذ بان في النسيان خصوصية توجب افرادها في البحث عن اقرانه مثل الاضطرار والاكراه عند البحث عن تصحيح العبادة بحديث الرفع و عدم تصحيحه.
وهو ان الترك لاينفك عن الفعل دائماً في النسيان، فانه كما ينسب الي الفعل، فالترك الناشي عن نسيان لابد وان يكون عن نسيان الفعل، فالنسيان عارض دائماً علي الفعل وعلي الترك. فيتعين افراده بالكلام وفصله عن صورة الاضطرار الي الترك او الاكراه عليه لعدم تصوير صدور الترك عن نسيان مع عدم نسيان الفعل.
السادس: في عموم رفع ما لا يعلمون في اللاحكام غير الالزامية وعدم عمومه.
لاشبهة في ان البرائة العقلية انما تختص بموارد الشك في التكاليف الالزامية ولا تجري في موارده في التكاليف غير الالزامية، لان ملاكها قبح العقاب بلابيان والتكليف غير الالزامي مما لا عقاب في مخالفة مقطوعه فضلاً عن مشكوكه.
واما البرائة الشرعية المستفادة مما دل علي رفع الحكم الشك كحديث الرفع فهل تختص بالتكاليف الالزامية؟ او يشمل المستحبات؟
قال السيد الخوئي (قدس سره):
واما البراءة الشرعية ففي اختصاصها بموارد الشك في التكاليف الالزامية خلاف بينهم.
و التحقيق ان يفصل بين موارد الشك في التكاليف الاستقلالية، وموارد الشك في التكاليف الضمنية، ويلتزم بجريانها في الثانية دون الأولى.
والوجه في ذلك: أن المراد من الرفع في الحديث الشريف هو الرفع في مرحلة الظاهر عند الجهل بالواقع، ومن لوازم رفع الحكم في مرحلة الظاهر عدم وجوب الاحتياط، لتضاد الاحكام ولو في مرحلة الظاهر على ما تقدم بيانه. وهذا المعنى غير متحقق في موارد الشك في التكاليف الاستقلالية، إذ لو شككنا في استحباب شئ لا اشكال في استحباب الاحتياط، فانكشف ان التكليف المحتمل غير مرفوع في مرحلة الظاهر، فلا يكون مشمولا لحديث الرفع.
واما التكاليف الضمنية فالامر بالاحتياط عند الشك فيها وان كان ثابتا، فيستحب الاحتياط باتيان ما يحتمل كونه جزء لمستحب، الا ان اشتراط هذا المستحب به مجهول، فلا مانع من الرجوع إلى حديث الرفع، و الحكم بعدم الاشتراط في مقام الظاهر.
و ( بعبارة أخرى ) الوجوب التكليفي وان لم يكن محتملا في المقام، الا ان الوجوب الشرطي - المترتب عليه عدم جواز الاتيان بالفاقد للشرط بداعي الامر - مشكوك فيه، فصح رفعه ظاهرا بحديث الرفع.»[1]
وقال سيدنا الاستاذ في المنتقي:
والمعروف عدم شموله للمستحبات المجهولة.
والوجه فيه:
أما على الالتزام بكون الرفع ظاهريا راجعا إلى عدم ايجاب الاحتياط، فلان مفاد الحديث على هذا هو نفي الحكم ظاهرا بملاحظة عدم جعل ايجاب الاحتياط الذي هو نحو ايصال للحكم ظاهرا.
ومن الواضح ان استحباب الاحتياط شرعا في موارد الاستحباب المشكوك ثابت، فهو وصول ظاهري للحكم الاستحبابي، فلا يمكن ان يقال برفع الاستحباب بهذا المعنى، ولو لم يثبت حسن الاحتياط شرعا فهو ثابت عقلا بلا كلام، فيمنع من شمول الحديث لما عرفت في الامر الخامس من قصور الدليل عن شئ ما يثبت فيه الاحتياط العقلي....
وأما على الالتزام بأن مفاد الفقرة جعل الحلية الظاهرية بلسان الرفع - كما أشرنا إليه في الامر الثالث -، فلانه لم يعهد بيان الترخيص برفع الحكم الاستحبابي، لاشتمال الاستحباب على الترخيص في نفسه، فلا معنى لشمول الحديث بهذا المعنى للاستحباب.
وأما على الالتزام بان الرفع واقعي، فقد يشكل الامر لقابلية الاستحباب للرفع الواقعي، ومقتضى عموم الموصول هو إرادة مطلق الاحكام. ولكن قد يقال: بان ظاهر الرفع هو ما يقابل الوضع، وهو ظاهر في جعل ما هو ثقيل على المكلف، فيختص بهذا الاستظهار برفع الأحكام الإلزامية دون غيرها. ولا يخفى أنه لا طريق برهاني لاثبات اخذ الثقل في مفهوم الرفع. فالمحكم هو الوجدان فراجعه تعرف صحة الدعوى من سقمها. وعلى كل، فالاختصاص بالالزام - على هذا الالتزام - يبتني على صحة هذه الدعوى. فتدبر.»[2]
[1]. البهسودي، مصباح الأصول تقرير البحث السيد الخوئي، ج2، ص270 - 271.
[2]. الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج 4، ص403-404.