بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد
هذا مضافاً:
الى انه قد مر من السيد صاحب العروة في كلامه في اول الباب الذي خصه بيان احكام اصناف المستحقين، في بيان موارد مصرف الزكاة:
الاول والثاني: الفقير والمسكين والثاني اسوء حالاً من الاول. والفقير الشرعي من لا يملك مؤونة السنة له ولعياله، والغني الشرعي بخلافه.
وذكر السيد الحكيم في ذيل هذا الكلام: كما هو المشهور المنسوب الى محققي المذهب. وعن جماعة ان عليه عامة المتأخرين ويشهد له جملة من النصوص.
وعليه فان من لا يملك مؤونة السنة له ولعياله فهو موضوع لمصرف الزكاة.
بلا فرق بين ان يكون عنده ما يكفيه لبعض السنة او ليس عنده ذلك وبلا فرق بين ان يكون له حرفة ومهنة تكفيه مؤونة بعض سنته اي مقدار اشهر او لا تكون له ذلك. وعليه فان من لايملك مؤونة سنته موضوع بنفسه لمصرف الزكاة ومثل صحيحة معاوية بن وهب ومعتبرة هارون بن حمزة الغنوي وموثقة سماعة كان مورها حسب ما افاده (قدس سره) من كان له راس مال يقصر ربحه عن مؤونة السنة.
وهذا ـ على ما عرفت ـ نفسه موضوع لمصرف الزكاة فلا وجه لما افاده (قدس سره) الا انه يمكن التعدي الى غيره بالغاء خصوصية مورده حيث ان غيره وهو من ليس له ذلك اي راس مال كذلك وكان محتاج لمؤونة سنته من غير ان يكون في يده شيء داخل في موضوع من لايملك مؤونة السنة فهو ايضاً كصاحب راس المال المذكور موضوع للمصرف ولا يتصور غيرية بينهما من هذه الجهة حتى يحتاج الى الغاء الخصوصية ولا خصوصية في مورد الروايات ايضاً لانه قل مورد لايكون في ايدي الفقيه ما يسعه لبعض مؤونته ولو بقدر ايام.
واما ثانياً:
فان قوله: اللهم الا ان يقال: الامر باعفاء نفسه ـ في موثقة سماعة ـ «او نفسه وبعض عياله» – في الصحيح والخبر – محمول على الاستحباب اجماعاً، اذ لا كلام في جواز تناوله لنفسه من الزكاة ويشير اليه التعبير بالعفة في الموثق وان شئت قلت: ما تضمنته الاخبار المذكورة اجنبي عن الدعوى ولاجل عدم القول بوجوبه تعيين حمله على الاستحباب.
ففيه:
انه الامر بالاعفاء غير مذكور الا في موثقة سماعة عن ابي عبدالله حيث قال الامام ع فيها: « إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسمها بينهم لم تكفه فليعف عنها نفسه وليأخذها لعياله»[1] وظاهره ان هذا المبلغ وان يكفي لمؤونة نفسه في السنة الا انه لايكفي لمؤونة عائلته الكثيرة فلذا يجوز له ان ياخذ الزكاة لا لنفسه بل لعائلته وانما كان النظر فيه الى ان مصرف الزكاة مؤونة الفقير في سنته ومؤونة عائلته فيها فالامر بالاعفاء بيان كنائي لهذه الجهة بانه لم يحتج نفسه في مؤونة في سنته الا ان عائلة الكثيرة محتاجون اليها، فله ان ياخذ الزكاة من هذا الجهة فلا وجه لحمله على طلب جدي حتى افاده (قدس سره) بلزوم حمله على الاستحباب واستند ما حمله الى الاجماع.
ويشهد لهذا الاستظهار قول الامام (عليه السلام) بعد ذلك واما صاحب الخمس فانه يحرم عليه اذا كان وحده وهو محترف يعمل بها ويصيب منها ما يكفيه انشاء الله هذا، واما في صحيحة معاوية بن وهب فلا امر بالاعفاء فيها، بل ان السؤال فيها انما وقع عن رجل له ثلاثمائة درهم او اربعمائة وله عيال وهو يحترف فلا يصيب نفقته فيها، وظاهر ان المبلغ المذكور راس مال له ويربح به، فان صرف المبلغ المذكور في مؤونته ومؤونة اهله، كفى له ولا يحتاج الى الزكاة ولكنه موكول الى رفع اليد عن رأس ماله وصرفه مع انه لو بقي راس المال لكان يكفيه في بعض مؤونته في السنوات الاتية فاجاب الامام (عليه السلام): «انه لاياكل ما عنده من راس المال، بل ينظر الى فضلها فيقوت بها نفسه ومن وسعه ذلك من عياله وياخذ البقية من الزكاة ويتصرف بهذه لاينفقها» اي صرف فاضل راس ماله واخذ باقي مصرف نفسه وعائلته من الزكاة. وليس فيها امر بالاعفاء وكذا في معتبرة هارون بن حمزة الغنوي حيث انه سئل الامام عن نظير المسالة السابقة فاجاب «فلينظر ما يفضل منها» اي من ثلاثمائة درهم التي هي بضاعتهم له فلياكله هو و من يسعه ذلك، ولياخذ لمن لم يسعه من عياله ولايكون فيها امر بالاعفاء ليحمل على غير الوجوب.
وعليه فان الامر بالاعفاء ولزوم حمله على الاستحباب واستناده الى الاجماع ليس مما يستظهر من الاخبار المذكورة حتى اوجب اجنبية ما تضعنها عن الدعوى واوجب اشكالاً في مقام الاستدلال بها للقول بعدم الجواز.
واما ثالثاً:
فما افاده (قدس سره) اللهم الا ان يدعى انجبار المرسل بدعوى الاجماع المحكي عن المنتهى
ففيه: ان المرسلة هي ما رواه الصدوق في العمل عن محمد بن الحسن عن احمد بن ادريس ومحمد بن يحيى جميعاً عن محمد بن احمد بن يحيى عن علي بن محمد عن بعض اصحابنا عن بشر بن بشار قال: قلت للرجل - يعني: أبا الحسن ( عليه السلام ) -: ما حد المؤمن الذي يعطى من الزكاة ؟ قال: يعطى المؤمن ثلاثة آلاف، ثم قال: أو عشرة آلاف، ويعطى الفاجر بقدر، لأن المؤمن ينفقها في طاعة الله والفاجر في معصية الله.»[2]
واستظهار كونها في مقام بيان جواز اعطاء الزيادة على المؤونة للفقير هو اول الكلام ذلك:
اولاً ان فيها: ما حده المؤمن الذي يعطى من الزكاة وهو غير ظاهر في سهم الفقراء منهم بل من المحتمل ان يكون الاعطاء بهذا المقدار لجهة اخرى.
وثانياً: ان مع التسليم فانه من الممكن ان يكون اعطاء هذا المقدار من الزكاة للفقير ليس من جهة مضي سنته من حيث المؤونة بل لرفع حوائجه الاخرى كاداء دينه كما ورد في معتبرة الحسين بن علوان: ان علياً كان يقول يعطى المستنديون من الصدقة والزكاة دينهم كل ما بلغ اذا استدانوا في غير سرف.
والصرف في الصرف كالصرف في المعصية مانع عن اعطاء الزكاة وهي قرينة على وحدة الموردين في الرواية من هذه الجهة.
وثالثا: ان مع التسلم كون المراد من المؤمن فقراء المؤمنين وان الاعطاء لهم لاجل كفاية مونتهم فهو قابل للحمل على من كان عائلته كثيرة وبينهم من يحتاج الى الزواج والسفر الضروري وان مصرفهم بحسب شانهم مبلغ المقدار المذكور.
مع ان التصريح بالرقم ليس لخصوصية فيه، بل لبيان انه يعطى للمؤمن الفقير ما يكفيه في سنته بلغ ما بلغ بحسب احتياجه وشانه.
ومع هذه المحتملات الاساسيه في هذه الرواية كيف يحرز ورودها في مقام بيان الحكم بجواز اعطاء الفقير بما زاد عن مؤونة سنته بلغ ما بلغ، فانه اول الكلام جدا، وعليه فالرواية غير ظاهرة في المدعى حتى يدعى انجبار ضعفها من جهة الارسال بعمل المشهور فانهما لايطابق قول المشهور و لاتكون ظاهرة فيه فكيف يكون قابلاً للاستدلال بما افاده من الانجبار.
واما رابعاً:
فان ما افاده (قدس سره) وباطلاق الادلة الاولية بناًء على عدم صلاحية النصوص الاولى لتقيدها.
ففيه ما مر من ان المراد منها الاية الشريفة: «انما الصدقات للفقراء والمساكين...».
والاخبار الواردة في وزانها. وقد مر من السيد الخوئي (قدس سره) ان هذه اطلاقات يلزم رفع اليد عنها بمقتضى ما ورد في لزوم اعطاء الفقراء على قدر كفايتهم كما هو المصرح في كثيرة من الاخبار ولا وجه لتصوير عدم صلاحية هذه النصوص للمنع عن تمامية الاطلاق فيها.
هذا مضافاً الى ما مر منا من ان العناوين المذكورة في هذه الادلة كالفقراء والمساكين انما جعل الموضوع للمصرف في موردها الموصوف بالعناوين المذكورة دون ذوات الاشخاص فان المصرف هو الفقير بما هو الفقير، واذا قلنا بان المراد من الفقيه ولو بقرينة المقابلة للمعنى الذي منع عن اعطاء الزكاة له من تكفي مؤونته لسنته، فانه لا اطلاق في هذه الادلة حتى يتمسك بها او يبحث عن صلاحية غيرها لتقييدها اذ التقييد ورفع اليد او الحمل وامثاله انما يتوقف على ثبوت نفس الاطلاق وصرف الشك في انعقاد مساوق لعدم انعقاده.
والحاصل:
ان ما استدل به من الاخبار للقول بجواز اعطاء الزيادة عن مؤونة السنة لا دلالة فيها على المدعى بل يستظهر منها خلافها كما تدل اخبار كثيرة على عدم الجواز بالسنة مختلفة واكثرها معتبرة سنداً ولم تذكر في المقام منها الا قليلاً.
وعليه فان المسألة بحسب الصناعة ودلالة والادلة الصريحة الواضحة صافية من الاشكال وما يقتضيه النظر بحسبها هو القول بعدم جواز دفع الزيادة كما مر عن السيد الخوئي (قدس سره) ولكن المشكل الاساس في المسألة شهرة الاصحاب على دفع الزيادة حتى ان العلامة
(قدس سره) افاد في المنتهى:
«يجوز ان يعطي الفقيه ما يغنيه وما يزيد على غناه وهو قول علمائنا اجمع.»
وقد ادعى ابن زهرة الأجماع على الجواز.
وقد اختار الشيخ القول بالجواز في المسبوط كما اختاره الحلي والشهيد الاول في الدروس كما التزم به كثير من متاخري العلامة (قدس الله اسرارهم).
فهنا لو تم ثبت في المسألة اجماع تعبدي في القول بالجواز او ثبت لنا شهرة الاصحاب في ذلك خصوصاً من الاقدمين فلا شبهة في لزوم الاخذ به، وبه يرفع اليد عن الاخبار الدالة على عدم الجواز، ومع التأمل فيهما باحتمال مدركية الاجماع، او عدم طرح المسألة في كتب كثير من القدماء او عدم احراز تلقي الشهرة المذكورة عن عصر الائمة (عليهم السلام).
فمن المشكل جداً رفع اليد عن هذه الاخبار الكثيرة الظاهرة في عدم الجواز لانه لم يحرز اعراض الاصحاب عنها.
ولذا نرى ان مثل السيد البروجردي قد صرح في حاشيته على العروة في المقام عند ذكره قول السيد «ان الاحوط عدم الجواز» بعد اختيار القول بالجواز:
لايترك الاحتياط فيه.
وبالجملة ان المسألة من جهة ادعاء الاجماع والاتفاق بل الشهرة المذكورة عل خلاف ما هو ظاهر الاخبار في غاية الاشكال و لا يترك الاحتياط فيه جداً.
[1] . وسائل الشيعة(آل البيت)، ج9، الباب12 من ابواب المستحقين للزكاة، ص239، الحديث11924/2.
[2]. وسائل الشيعة(آل البيت)، ج9، الباب17 من ابواب المستحقين للزكاة، ص249، الحديث11947/2.