بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هشتاد و هفت
اما الاحكام الوضعية.
فتارة يقع البحث فيها في باب المعاملات وتارة في غيره كالنجاسة والطهارة وامثاله من الجزئية والشرطية، وقد مر من بعض الكلام فيها.
وقد مر بعض الكلام في انه لابد في كون الاحكام الوضعية مجعولة كالأحكام التكليفية، خلافاً للشيخ (قدس سره) القائل بأنها منتزعة عن الأحكام التكليفية، وفصل صاحب الكفاية (قدس سره) بين مواردها.
والمهم هنا انه لا اثر لهذا البحث في جريان حديث الرفع، لأنه وان كان شأنه الرفع فيما وضعه الشارع من الآثار الا ان بناء على كون الوضعيات متنزعات، فإنه ينالها يد اعتبار الشرع في مناشيء انتزاعها، فيرفع بحديث الرفع المنشأ لانتزاعها اذا جرى فيها الحديث.
اما الكلام في الجهة الاولى: أي المعاملات.
فربما يقال:
ان الحكم الوضعي في باب البيع وهي المبادلة والنقل والانتقال ليس فيه ثقل على المكلف بحسب طبعه، بل قد يرغب فيه المكلف ويقدم عليه بنفسه، هذا مع ان المبادلة والنقل والانتقال لا تختص بمكلف، بل موضوعها المالان، وتنتزع عن مجموع الأحكام الثابتة للمكلفين من عدم جواز تصرف البائع والمشتري فيما انتقل اليهما، الا بأذن الآخر وغيره، فليست هي موضوعة على الجاهل بل هي واردة على الفعل، والمخاطب بها الجميع.
وهذا البيان لا يجري في بعض الأحكام الوضعية كالحكم الوضعي في باب الطلاق.
فظهر ان تطبيق الحديث على مورد الحلف بالطلاق مكرها لا يدل على تكفل الحديث لرفع الأحكام الوضعية مطلقا وعلى نحو العموم.
هذا مضافاً، الى انه قد مر ان الحكم الوضعي الواقعي غير قابل للوضع الظاهري لا بجعل الاحتياط ولا بغيره.
ويمكن ان يلاحظ عليه:
ان البحث في المقام تارة يكون في العقود، وتارة يكون في الايقاعات.
اما العقود، فإنها تعاملات عقلائية لا شأن للشارع فيها الا الامضاء في جهة نفوذها وتأثيرها، وهذا اعتبار شرعي قابل للرفع كما يتمكن الشارع من الوضع فيها بالحكم بالاعتبار والنفوذ.
وعليه فهي مجرى حديث الرفع على التحفظ على ما مر من الشروط الجارية فيه، ككون المرفوع من الاثار المجعولة الشرعية، اي كانت داخلة في وعاء الاعتبار التشريعي تاسيساً او امضاء، وأن يكون في رفعها الامتنان على المكلف فلا يشمل ما لا يتكفل لذلك، وإن الحديث يجري في الآثار الشرعية المجعولة على العناوين المذكورة في الحديث، كالآثار الشرعية الموضوعة على الخطأ او النسيان او غيرها.
ومع التحفظ على هذه الشروط، فلو كان نفوذ المعاملة اي تحقق النقل والانتقال مما يوجب النقل على المكلف في ظروف العناويين المذكورة في الحديث، او ليس موجباً للامتنان عليه او تسهيلاً عليه فلا محالة لا مجرى لحديث الرفع فيه.
فإن جواز تصرف المشتري او البائع في المال المأخوذ من البيع الواقع في ظرف الإكراه ونفوذه مما يوجب الثقل على المكره فيرفع بحديث الرفع، ويكون في رفعه الامتنان على المكلف. بخلاف مورد الاضطرار، فإن نفوذ المعاملة الواقعة في ظرفه لا يكون في رفعه بالحديث الا الثقل والمشقة عليه، فلا يرفع بالحديث وتكون المعاملة صحيحة.
وعليه فإنه لا مانع من شمول حديث الرفع في المعاملات.
وما قد يقال:
«... أما المعاملات العقدية كالبيع ونحوه، فلا يشمله رفع الاكراه والاضطرار لما تقدم من أن ظاهر الرفع عن المكلف انه في مقابل الوضع عليه الظاهر في نوع من الثقل، ولا ثقل في الحكم الوضعي كصحة البيع ونحوها بلحاظ ذاته، إذ قد يرغب فيه المكلف ويحاول تحقيقه بشتى الطرق في بعض الأحيان. ولما تقدم من أن مثل صحة البيع ونحوها ليس مما يتعلق بمكلف خاص يخاطب به، بل هو حكم يخاطب به جميع المكلفين، فليست هي مجعولة على المضطر أو المكره، كي ترتفع عنه بالاضطرار أو الاكراه، سواء كانت حكما وضعيا أم كانت حكما انتزاعيا، إذ هي تنتزع عن مجموعة احكام تكليفية تتعلق بمجموع المكلفين لا من خصوص ما يتعلق به من أحكام.
هذا، مع أن رفع صحة البيع بالنسبة إلى المضطر إليه خلاف الامتنان والارفاق به، إذ يؤدي به ذلك إلى الهلاك.
كما أنه لا جدوى في اثبات شمول رفع الاكراه للمعاملات المالية كالبيع، لما علم من الأدلة بتقييد الصحة فيها بصورة عدم الاكراه وطيب النفس والرضا، فالصحة منتفية في صورة الاكراه لتلك الأدلة.»[1]
فلا يمكن المساعدة عليه وذلك لأنه:
اولاً، ان نفوذ البيع وصحة النقل والانتقال وإن كان مما يرغب اليه المكلف بحسب ذاته ولا ثقل له فيه بل فيه كمال السهولة، الا انه في بعض الاحيان يكون مما لا يرغب اليه المكلف كالبيع الغرري وبيع المكره وحديث الرفع لا يلزم ان يجري في جميع البيوع حتى ما يرغب اليه المكلف كما في بيع المضطر.
بل الكلام في جريانه في خصوص ما يكون في نفوذه ثقلاً في مشقة على المكلف كبيع المكره فإنه لو نفد وجاز التصرف فيما انتقل به لا شبهة في ثقله عليه، ومورد جريان الحديث في مثله.
وثانياً:
ان نفوذ البيع وصحة النقل به، وإن كان حكماً يخاطب به جميع المكلفين الا انه ينحل بالاحكام المتعددة بحسب افراد البيع، وكل واحد منها يرتبط بمكلف خاص هو البائع والمشتري، ونفوذ البيع وعدم نفوذه بالنسبة اليهما يكون ذا اثر خاص، فإن في بيع المكره يكون نفوذ المعاملة وصحة النقل والآثار المترتبة عليهما كجواز التصرف وامثاله، يخاطب به مخاطب خاص وهو المكره، وهذا الحكم ثقيل بالنسبة اليه بخصوصه، وإن كان لا ثقل فيه بالنسبة الى غيره فيشمله حديث الرفع ويرفع هذا الاثر عنه بخصوصه. كما ان نفوذها والآثار المترتبة عليها لا يكون فيها ثقل بالنسبة الى المضطر، بل الامتنان بالنسبة اليه انما يكون في نفوذها وترتب الآثار عليها.
ومعه فلا وجه للقول بأن صحة البيع ونفوذه ليس مما يتعلق بمكلف خاص.
لأنه لا شبهة في ابتلاء كل مكلف خاص بفرد من الطبيعي، وهو معرض للحالات الطارئة عليه بخصوصه له.
ولا فرق في ذلك بين القول بأن نفوذها حكم وضعي مجعول بنفسه، او حكم انتزاعي تنزع عن حكم او احكام تكليفيّة.
وثالثاً:
ان عدم الجدوى في البحث عن شمول الحديث لمورد الاكراه او الاضطرار وامثاله لا يمنع عن البحث في المقام، فإن البحث هنا في شمول الحديث لموارد الاحكام الوضعية ونفوذ البيع وصحة النقل من جملتها، وورود الحكم في بعض مواردها بخصوصه نظير اشتراط الاختيار في المتبايين، او القدرة على تسليم المبيع وأمثاله، لا يوجب عدم تصوير الموضوع للرفع في الاحكام الوضعية وامكان جريانه فيها وشموله لها فيما فرض عدم ورود نص في تبيينها. فإنا نرى ورود النص في كثير من موارد الجهل والنسيان في الجزء او الشرط او المانع وأنه يبين للمكلف ما هو وظيفته، ومع ذلك نبحث في شمول الحديث في الموارد المذكورة.
[1] . الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج 4، ص417.