درس خارج اصول المقصد السابع في الأصول العملية جلسه هشتاد و دو
بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هشتاد و دو
الا ان يقال:
ان الامارات والحجج لا شأن لها الا بيان الواقع وتنجيزه بقدر ما تتمكن من كاشفية الواقع من جهة وجود احتمال الخلاف فيها، وأنه ليس شأن الامارات جعل حكم في قبال الواقع، وإن ما يتصور من الحكم الظاهري المؤدي لها هو ارائة الواقع مع نقصان ينشأ من قابلية الحجة والامارة لارائته بحسب ذاتها، وهو عدم ارائة الواقع تاماً، بل يحتمل فيه الخلاف، ففي موارد المطابقة مع الواقع ليس على المكلف الا الاتيان بالواقع، وأنه لا يصدر عنه غيره، وفي فرض التخلف عنه وعدم المطابقة، انما يكون المكلف معذوراً لعدم تقصيره في استكشاف الواقع، بل القصور نشأ من الطريق الذي أخذ به مما عرفه الشارع اليه، فلازمه كونه معذوراً لمخالفة الواقع.
ولذلك، انه ليس في العمل بمؤدى الامارة او في سلوك الامارة مصلحة غير مصلحة الواقع، ولا تتكفل سلوكها اكثر من كون المكلف معذوراً عند المخالفة لجهله، وأنه لا يكون معذوراً لو لم يعمل بالحجة والطريق الذي ارائه اليه الشارع.
وعلى ذلك فإن الحكم الواقعي بفعليته ثابت عند الجهل، ولا وجه لرفع فعليته في هذا المقام، وإن ما يمكن رفعه في حال الجهل الالزام بالواقع في حاله، فإذا ارتفع الجهل وكشف الواقع ينقلب الأمر ويعود الالزام وجوباً كان او حرمة، وبه لا يصير الحكم فعلياً عند رفع الجهل، بل لا تنقطع فعليته في تمام حال الجهل، وإن ما يكون متعلقاً للرفع في حالة الجهل تنجيز الحكم دون فعليته، فمع ارتفاع الجهل يعود التنجيز فيه.
وهذا البيان وإن ربما يستفاد مما حققه المحقق النائيني (قدس سره)، ولا يبعد استفادته من كلام صاحب الكفاية حسب تفسير السيد الخوئي من ان المراد بقوله: ان الالزام مرفوع فعلاً، يكون معناه ان الالزام مرفوع حال الجهل، لا انه مرفوع بفعليته، وعليه يقرب كون الرفع فيما لا يعلمون ظاهرياً كما افاده السيد الخوئي.
الا انه (قدس سره) التزم فيما افاده في المقام مع تأكيده بذكر الأمثلة، بأنه يترتب على ما قربه من ظاهرية الرفع ثمرة مهمة، وهي انه اذا عثرنا على الدليل المثبت للتكليف بعد العمل بحديث الرفع يستكشف به ثبوت الحكم الواقعي من اول الأمر، مثلاً اذا شككنا في جزئية شيء او شرطيته للصلاة وبنينا على عدمها لحديث الرفع، ثم بان لنا الخلاف، ودل دليل على الجزئية او الشرطية لا يجوز الاكتفاء بالفاقد من ناحية حديث الرفع، بل لابد من التماس دليل اخر كحديث لا تعاد... .
ويمكن ان يلاحظ فيه:
بأنه قد مر ان لسان حديث الرفع لا يفترق مع لسان ادلة الحجج والامارات، وأنه كما ان الوضع لحكم من الاحكام الخمسة اعتبار شرعي، كذلك ان رفع هذه الاحكام في اي مرتبة من مراتبها اعتبار شرعي، فيكون حاله حال ادلة الامارات والحجج، ومعه فإن صحة ما اتى به من الفاقد يرجع امرها الى صحة ما اتى به المكلف بمقتضى قيام الامارة، وأنه يرجع الأمر فيه الى قاعدة الإجزاء، واجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي. وقلنا هناك انه يقوى القول بإجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري، اي بمؤدى الامارة عن الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي.
وإن ما اتى به المكلف في حال العذر يكفي عن الواقع بمقتضى قاعدة الاجزاء. ومعه فلا يلزم التماس دليل اخر مصحح لما افاده لو التزمنا هناك بإجزاء الإتيان لا بمؤدى الامارات والحجج عن الواقع، كما التزمنا بعدم استبعاده هناك تبعاً للمحقق الهمداني والسيد البروجردي، بأن الشارع انما رفع يده عن الواقع عندما اتى المكلف بمؤدى اماراته.
ثم ان الرفع في باقي الفقرات واقعي ولا يأتي فيه المشاكل التي وردت في ما لا يعلمون.
نعم، ان الالتزام بالرفع الظاهري فيه ربما ينافي وحدة الاسناد، الا ان يجاب عنه بأن نسبة الرفع الى هذه الامور وإن كانت واحدة بحسب الاسناد الكلامي الا انها متعددة بحسب اللب والتحليل كما افاده السيد الخوئي (قدس سره).