بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سي و پنج
ثم ان السيد الخوئي (قدس سره) اختاره قول الشهيد في السالك وقرره الاظهر قال:
« وعليه فالأظهر هو القول الأخير الذي اختاره الشهيد الثاني نظرا إلى أن المستفاد من الآية المباركة - بناء على شمول الغنيمة لكل فائدة - وكذا الروايات الدالة على أن الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير أن الحكم انحلالي، فكل فرد من أفراد الربح والفائدة موضوع مستقل لوجوب التخميس كما كان هو الحال في المعادن والكنوز. فلو كنا نحن وهذه الأدلة ولم يكن دليل آخر على استثناء المؤنة لالتزمنا بوجوب الخمس فورا وبمجرد ظهور الربح ولكن دليل الاستثناء أوجب ارتكاب التقييد في الوجوب التكليفي ارفاقا وإن كان الحق ثابتا من الأول فلا يجب البدار إلى الاخراج، بل له التربص والتأخير ريثما يصرف في مؤنة السنة فيتقيد الوجوب بعدم الصرف فيها. وأما ارتكاب تقييد آخر أعني ضم الأرباح بعضها إلى بعض بحيث يستثنى حتى المؤن الحاصلة قبل الربح المتجدد أي المؤنة المتخللة بين الربحين، فهذا لم يقم عليه دليل.
وبعبارة أخرى الذي ثبت إنما هو استثناء المؤنة من الربح المتقدم لا من الربح المتأخر ولو كان الربحان في سنة واحدة لوضوح عدم عد السابق من مؤنة الربح اللاحق لكي يستثنى منه لفرض عدم صرفه فيها فما هو الموجب للاستثناء.؟ وكذلك الحال فيما لو حصل الربح قبل انتهاء السنة كاليوم الأخير من ذي الحجة مثلا، فإن الالتزام بوجوب تخميسه عند هلال محرم مع أنه لم يمض عليه إلا يوم واحد بلا موجب بعد تقييد الوجوب بما دل على أنه بعد المؤنة، فإن هذا الربح مشمول لدليل الاستثناء، ومقتضاه جواز صرفه في شهر محرم وما بعده من الشهور إلى انتهاء سنة هذا الربح في حوائجه ومؤنته من زواج ونحوه، فلو صرف يصح أن يقال أنه صرفه في مؤنته أثناء السنة. ومعه كيف يجب عليه الآن اخراج خمسه. والحاصل أن الضم يحتاج إلى الدليل ولا دليل. فالظاهر أن ما ذكره الشهيد من أن كل ربح موضوع مستقل وله سنة تخصه وتستثنى مؤنة السنة عن كل ربح بالإضافة إلى سنته هو الصحيح. نعم قد يكون هناك تداخل في المؤن الواقعة فيما بين الأرباح حيث يبقى مقدار من ربح محرم ويصرف في مؤنة صفر، ويبقى منه ويصرف في ربيع وهكذا فيتداخلان في المدة المشتركة ولا ضير فيه كما لا يخفى.»
ويمكن ان يقال:
انه (قدس سره) قد صرح في عنوان الفصل السابع:
«ثم إنه لا اشكال في أن المراد بالمؤنة في هذه الروايات هي مؤنة السنة، بل عليه اجماع الأصحاب كما نص عليه غير واحد وإن كان لم يصرح بلفظ ( السنة ) في شئ من تلك النصوص كما اعترف به صاحب الحدائق وغيره.
نعم في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة على بعض نسخ الوسائل ( طبع عين الدولة ) هكذا (ومن كانت ضيعته لا تقوم سنة ). ولكن النسخة مغلوطة جزما والصحيح كما في الأصل هكذا: (لا تقوم بمؤنته... الخ) فالنصوص بأجمعها خالية عن تقييد المؤنة بالسنة، وإنما هو مذكور في كلمات الأصحاب وهو الصحيح.
والوجه فيه: انصراف اللفظ إليها عرفا لدى الاطلاق بعد عدم الدليل على إرادة مؤنة اليوم أو الأسبوع أو الشهر. نظرا إلى قيام التعارف الخارجي ولا سيما في الأزمنة السابقة وخاصة في القرى على تهيئة مؤنة سنتهم في كل فصل من الفصول المناسبة لما يحتاجون إليه من الحنطة والأرز والتمر ونحو ذلك مما تمس به الحاجة فكانوا يدخرونه للصرف إلى العام القابل، بل إن هذا هو المتعارف في كثير من المدن حتى في العصر الحاضر. نعم سكنة المدن الكبرى في غنى عن ذلك لوفور النعم في أسواقها طوال العام.
وكيفما كان فمؤنة الشخص لدى العرف تقدر بالسنين لا بالأيام أو الشهور أو الفصول لعدم انضباطها. ولأجله كان المتبادر من قولنا: فلان يفي كسبه أو ضيعته بمؤنته أو لا يفي، أو أنه مالك للمؤنة أو غير مالك هو مؤنة السنة. وهذا هو السر فيما فهمه الأصحاب من مثل هذه الأخبار من التقييد بالسنة بعد خلوها عنه حسبما عرفت.» وهنا نسأل منه (قدس سره) انه لو كان الظاهر من استثناء المؤنة، استثناء مؤونة السنة، فانه لا يتمكن الشخص من اخراج مؤونة سنته الا بعد محاسبة امواله، بانه هل يستوفي الربح والفائدة مؤونة السنة او يكون ازيد منه، فيكون موضوع اخراج المؤونة واستثنائه الارباح الحاصلة في سنة المؤنة حسب الارتكاز العرفي.
اذ يشكل الالتزام باخراج مؤنة السنة من خصوص الربح الحاصل له في اول سنته، بل الغالب عدم كفايته لذلك، فلازمه اخراجها عن الربح الحاصل في اول السنة ووسطها وآخرها.
فلا محالة تكون السنة ظرفاً للمحاسبة بالاضافة الى الارباح الحاصلة، والى المؤنة المصروفة في السنة و تقدير الخمس لا محالة.
والقول بان الوجوب المتعلق بالارباح والفوائد ينحل الى كل فرد من افرادها. وان كان صحيحاً في نفسه الا انه ليس حال الارباح باستقلالها وانفرادها حال سائر اقسام الخمس مثل مورد المعادن والكنوز، ولا يتم قياسها به، وذلك لان الانفراد والاستقلال في تعلق الخمس بمثل المعدن و الكنز وغيره انما كان من جهة تعلق الخمس اليه بعنوانه من دون تعليق فيه الى الرخصة في الدفع بلحاظ اخراج مؤونة السنة، مع انه لو كان الربح الحاصل من المعدن ربحاً مستمراً فان العرف لا يحاسبه في كل ساعة او يوم، بل انما يحاسبون الارباح المتعددة المستمرة في ظرف معين ويخرجون خمسها، مع ان لازمه التأخير في تخميس بعض الافراد لا محالة. ولا يقال انه يلزم دفع كل فرد من افراد هذا الربح بانفراده واستقلاله.
والحال كذا في المقام، فان هنا ارباح متعددة ومختلفة، ولا يجب البدار الى الاخراج كما افاده، بل له التربص والتأخير. وافاد (قدس سره) بان جهة هذا التأخير صرف ما يلزم منه في مؤونته فلا محالة نفس جواز التأخير في دفع الخمس فيها مع اختلافها بحسب زمان حصول الربح في اوقات السنة يوجب الاشتراك بينها في المحاسبة خصوصاً من جهة اخراج المؤونة والاسهل والانسب فيها المحاسبة بحسب السنة ليناسب الامر في استثناء المؤونة.
واما ما افاده من لزوم اخراج المؤنة من الربح المتاخر عنها بناء على كون المعيار في المحاسبة والاخراج السنة فيرد عليه: ان غالب الناس انما يصرفون المؤونة مما يحصل لهم من الارباح طول السنة، ولا يوجد فيه تأخير حتى يخرجونها من الربح المتأخر الا في بعض الموارد مما لا يفي الربح الحاصل لهم بالمؤن فيحتاجون الى الاستقراض، وانما يخرجون ما يدفعون بعنوان الدين من الربح المتأخر، وهذا لا محذور فيه.
نعم، ليس لازم اختيار صاحب العروة عدم جواز تأخير الربح المتأخر الى سنته، ولكن المتعارف بين الناس على ما مر خلفاً عن سلف خصوصاً في المشاغل التي تحصيل فيها الارباح القصيرة مستمراً التي يشكل فيها المحاسبة بالنسبة الى كل فرد من افراد الربح منفردة ومستقلاً، المحاسبة في استثناء المؤنة والارباح الحاصلة بلحاظ السنة. وقد صرح بذلك (قدس سره) في آخر كلامه:
« نعم لا بأس بجعل السنة لسهولة الأمر وانضباط الحساب كما هو المتعارف عند التجار حيث يتخذون لأنفسهم سنة جعلية يخرجون الخمس بعد انتهائها واستثناء المؤن المصروفة فيها وإن كانت الأرباح المتخللة فيها تدريجية الحصول بطبيعة الحال. فإن هذا لا ضير فيه إذ الخمس قد تعلق منذ أول حصول الربح غايته أنه لا يجب الاخراج فعلا، بل يجوز - ارفاقا - التأخير إلى نهاية السنة والصرف في المؤنة فبالإضافة إلى الربح المتأخر يجوز إخراج خمسه وإن لم تنته سنته فإن ذلك كما عرفت ارفاق محض ولا يلزم منه الهرج والمرج بوجه، كما يجوز أن يخرج الخمس من كل ربح فعلا من غير اتخاذ السنة فلاحظ.»