بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صــد و ســه
ويمكن ان يقال:
ان التشريع بهذه المفاهيم التي افاده خصوصاً اذا كان من المحرمات العقلائية، ففي مقام ملاحظة ما عليه بناء العقلاء والارتكاز العرفي، فإنه بمفهومه فعل النفس وما يساوق مفهوم التشريع و الجعل. وفي مثله يمكن الالتزام بعدم سراية الحرمة الي الفعل الخارجي المأتي به بعنوان موافقة امر المولي.
ولكن هنا خصوصية وهي ان المركب الذي اتي به باعتقاد تقومه بالزيادة تشريعاً هو العبادة، والعبادة تتقوم بالتقرب وفي مقام التقرب يلزم محبوبية العمل للمولي ولا يمكن تصوير التقرب اليه بما لا يكون محبوباً. والتشريع ولو كان فعل النفس تصرف في سلطان المولي ويكون مبغوضاً له. وهذا المبغوضية كما تكون لفعل الجعل وشأن التشريع كذلك تثبت للمجعول والمشروع به، فإن ترتيب الأثر علي هذا المفهوم اي البدعة والافتراء والقضاء بغير العلم والتصرف في سلطان المولي مبغوض حتي بالنسبة الي الموالي العرفية.
وعليه فمن الصعب جداً الالتزام بعدم سراية هذه المبغوضية الي الفعل الخارجي والأثر المترتب علي المفهوم المبغوض خصوصاً اذا كان ترتيب الأثر المذكور في العبادة التي يلزم فيها التقرب الي المولي.
بل لقائل ان يقول:
بسراية هذه المبغوضية حتي في غير العبادة، لأن المعيار بناء العقلاء، ولا يبعد قبح ترتيب الأثر علي ما هو بدعة وافتراء وتصرف في سلطان مولي من مواليهم عندهم سواء كان ترتيب الأثر المذكور في الفعل الذي اتي به بقصد التقرب اليه او غيره.
وعليه فما سلكه المحقق صاحب الكفاية من عدم الموضوعية في التشريع بالنسبة الي بطلان العمل ليس مما يمكن المساعدة عليه.
بل نفس الاتيان بالزيادة باعتقاد التشريع توجب مبغوضية الفعل، وهي تنافي كونه مقرباً، وهذا المحذور يتقدم علي اخلاله في المأمور به من جهة الامتثال وأن ما اعتقده مأمورا به تشريعاً لا يكون مأمور به، وليس الأمر الواقعي المأمور به داعياً له في فعله.
هذا ومنه يعلم انه لو لم يكن في اعتقاده التشريع، بل اتي بالزيادة باعتقاد ان الشارع امر به ولم يكن اعتقاده مطابقاً للواقع، فإنه لا تضر الزيادة بصحة العمل لما مر من عدم تقوم الزيادة بالقصد، فيكون تمام الموضوع هنا الاتيان بالزيادة وفي هذه الصورة ينحصر الاخلال بالصحة بما لو كان اتي بالمجموع المتشمل علي الزيادة علي نحو التقييد.
فيكون منافياً لقصد الامتثال.
ثم انه افاد صاحب الكفاية: بأنه اذا اتي بالفعل المشتمل علي الزيادة بداعي الأمر الواقعي الموجود، فهو يقصد اتيان الواجب الواقعي علي واقعه، لكنه بما انه يعتقد ان الواجب عليه واقعاً المجموع المشتمل علي الزيادة جهلاً او تشريعاً.
ففي هذه الصورة حكم بصحة عمله، لأنه اتي بالواجب الواقعي وقصد الزيادة لا يضر بعد ان كان قصد امتثال الأمر الخاص ينحل الي قصدين، ومن جهة الخطأ او التشريع في التطبيق فهو يقصد الأمر الواقعي علي واقعه، ولكنه معتقد انه هو الأمر الخاص خطأ او تشريعاً. وهذا لا يضر في الامتثال والتقرب فبيقي احتمال مانعية الزيادة وهو منفي بالأصل.
وأفاد السيد الاستاذ (قدس سره) بعد التقريب المذكور:
«.. فهذا الفرض نظير من صلى خلف امام المسجد معتقدا انه زيد العادل، فبان انه عمرو العادل وكان بحيث لا يختلف الحال لديه بين زيد وعمرو، فإنه يحكم بصحة صلاته لان قصده ينحل إلى قصدين قصد الصلاة خلف العادل وقصد الصلاة خلف زيد، فإذا تخلف الثاني ولم يتخلف الأول كان عمله صحيحا، لان المدار في الصحة على الأول. »[1]
هذا ثم اورد عليه (قدس سره):
« ان فرض الخطأ في التطبيق مع التشريع لا يمكن الالتزام به وبعبارة أخرى: ان فرض التشريع في قصد الزيادة مساوق للتقييد في مقام الامتثال، وذلك لان مرجع التشريع إلى البناء على أن الواجب الواقعي الشرعي هو المشتمل على الزيادة، وان الامر الثابت هو الامر المتعلق بما يشتمل على الزيادة. وهذا لا يجتمع مع قصده امتثال الامر الواقعي على واقعه، إذ مرجعه إلى إلغاء ثبوت الامر والمأمور به بنحو آخر وكيفية ثانية، فكيف يتصور انه يقصد الواقع على واقعه، وكيف يكون الامر الواقعي محركا له بوجوده الواقعي؟»[2]
[1] . الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج5، ص275.
[2] . الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج5، ص276-277.