بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد و دو
وقد افاد الشيخ (قدس سره) في التنبيه الاول، من التنبيهات التي يشتمل علي امور متعلقة بالجزء والشرط، وتقسيم مسائلها الي مسائل ثلاث:
1 ـ بطلان العبادة بتركه سهواً.
2 ـ بطلانها بتركه عمداً.
3 ـ بطلانها بزيادته سهواً.
«الاول:
إذا ثبت جزئية شئ وشك في ركنيته، فهل الأصل كونه ركنا، أو عدم كونه كذلك، أو مبني على مسألة البراءة والاحتياط في الشك في الجزئية، أو التبعيض بين أحكام الركن، فيحكم ببعضها وينفى بعضها الآخر؟
وجوه:
لا يعرف الحق منها إلا بعد معرفة معنى الركن، فنقول:
إن الركن في اللغة والعرف معروف، وليس له في الأخبار ذكر حتى يتعرض لمعناه في زمان صدور تلك الأخبار، بل هو اصطلاح خاص للفقهاء.
وقد اختلفوا في تعريفه: بين من قال بأنه: ما تبطل العبادة بنقصه عمدا وسهوا، وبين من عطف على النقص زيادته.
والأول أوفق بالمعنى اللغوي والعرفي، وحينئذ فكل جزء ثبت في الشرع بطلان العبادة بالاختلال في طرف النقيصة أو فيه وفي طرف الزيادة، فهو ركن.
فالمهم: بيان حكم الإخلال بالجزء في طرف النقيصة أو الزيادة، وأنه إذا ثبت جزئيته فهل الأصل يقتضي بطلان المركب بنقصه سهوا كما يبطل بنقصه عمدا، وإلا لم يكن جزءا؟»[1]
فذكر (قدس سره) بأن هنا مسائل ثلاث، وبدأ بالمسألة الاولي وهي ترك الجزء سهواً، وقال:
«اما الاولي: ـ ترك الجزء سهواً ـ
فالاقوي فيها: أصالة بطلان العبادة بنقص الجزء سهوا إلا أن يقوم دليل عام أو خاص على الصحة، لأن ما كان جزءا في حال العمد كان جزءا في حال الغفلة، فإذا انتفى انتفى المركب، فلم يكن المأتي به موافقا للمأمور به، وهو معنى فساده. أما عموم جزئيته لحال الغفلة، فلأن الغفلة لا توجب تغيير المأمور به، فإن المخاطب بالصلاة مع السورة إذا غفل عن السورة في الأثناء لم يتغير الأمر المتوجه إليه قبل الغفلة، ولم يحدث بالنسبة إليه من الشارع أمر آخر حين الغفلة، لأنه غافل عن غفلته، فالصلاة المأتي بها من غير سورة غير مأمور بها بأمر أصلا.
غاية الأمر:
عدم توجه الأمر بالصلاة مع السورة إليه، لاستحالة تكليف الغافل، فالتكليف ساقط عنه ما دام الغفلة، نظير من غفل عن الصلاة رأسا أو نام عنها، فإذا التفت إليها والوقت باق وجب عليه الاتيان بها بمقتضى الأمر الأول.
فإن قلت:
عموم جزئية الجزء لحال النسيان يتم فيما لو ثبت الجزئية بمثل قوله: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب "، دون ما لو قام الإجماع مثلا على جزئية شئ في الجملة واحتمل اختصاصها بحال الذكر، كما انكشف ذلك بالدليل في الموارد التي حكم الشارع فيها بصحة الصلاة المنسي فيها بعض الأجزاء على وجه يظهر من الدليل كون صلاته تامة، مثل قوله ( عليه السلام ): " تمت صلاته، ولا يعيد "، وحينئذ فمرجع الشك إلى الشك في الجزئية حال النسيان، فيرجع فيها إلى البراءة أو الاحتياط على الخلاف.
وكذا لو كان الدال على الجزئية حكما تكليفيا مختصا بحال الذكر وكان الأمر بأصل العبادة مطلقا، فإنه يقتصر في تقييده على مقدار قابلية دليل التقييد أعني حال الذكر، إذ لا تكليف حال الغفلة، فالجزء المنتزع من الحكم التكليفي نظير الشرط المنتزع منه في اختصاصه بحال الذكر، كلبس الحرير ونحوه.
[1] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص361-362.